آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار!

حامد عز الدين
حامد عز الدين

لا أظن أن هناك صفة مذمومة أخرى غير النفاق حظيت بمثل هذا القدر من الذم في القرآن الكريم. بل إن المولى سبحانه وتعالى جعل النفاق موازيًا للكفر والعياذ بالله، وإنه كاف لكي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من نار جهنم. وفي الآية 145 من سورة النساء: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا». وفي الآية138 من سورة النساء: «بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا». وفي الآية 67 من سورة التوبة : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). 

والنِّفاقُ لُغةً هو مخالفة الباطن للظاهر. وقيل للمنافِقِ: (مُنافِقٌ)؛ لأنَّه يخرُجُ مِنَ الإسلامِ مِنْ غير الوَجهِ الذي دَخَلَ فيه؛ وذلك أنَّه دخَلَ عَلانِيةً وخرج سِرًّا، وأصلُ (نفق): يدُلُّ على إخفاءِ شَيءٍ وإغماضِه. ولهذا يصنف النفاق إلى نفاق أكبر، وهو المتعلق بالعقيدة، والأصغر وهو المتعلق بالعمل. والنفاق في هذا التصنيف كالكُفرِ والشِّركِ والفِسقِ والظُّلمِ: دَرَجاتٌ ومراتِبُ؛ منها ما هو مخرِجٌ من الإسلامِ، ومنها غيرُ مخرجٍ منه. 

وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) رواه البخاري،ومسلم. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ). رواه البخاري ومسلم. 

هذه الصفات التي أجملها الرسول صلوات الله وسلامه عليه للمنافقين في عصره، هي ذاتها التي انتشرت وصارت جزءًا ثابتًا في معظم دول العالم، وفي العالم العربي والاسلامي على وجه الخصوص حيث يغيب القانون. 

فقد أضاع المنافقون الحقوق، وصار النفاق اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا هو الأمر السائد، والعجيب أن هؤلاء المنافقين صاروا يعتبرون أن النفاق هو الأصل باعتباره الطريق الأسرع لتحقيق مصالحهم، وحصولهم على ما لا يستحقون، ليس هذا فحسب بل صاروا يتفننون في النفاق لمنع غيرهم من الحصول على حقوقهم. وصرنا في زمن ينظر فيه المنافقون الى غير المنافقين على أنهم من كوكب آخر «غبي». وربما كان ذلك لأن هناك «المنافقون- بفتح الفاء» الذين يجدون في المنافقين - بكسر الفاء - فائدة كبرى تشعرهم بقيمتهم. وحتى صارت الحقيقة مهجورة. أو كما كتب الأديب الراحل يوسف السباعي في مقدمته لروايته «أرض النفاق»: هذه قصة النفاق والمنافقين وأرض النفاق، قصة قد يكون فيها بعض الشطط وبعض الخيال، ولقد كنت أنوي أن أختمها كما يختم كتاب القصة عادة قصصهم الخيالية على أنها حلم، وعلى أنى فتحت عينى فوجدت نفسى راقدًا على الآريكة في الدار ولكن يخيل إليّ أن ما بها من حقائق قد طغى على ما بها من خيال. يا أهل النفاق!! تلك هى أرضكم.. وذلك هو غرسكم... ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها.. فإن رأيتموه قبيحًا مشوهًا، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم... لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة. أيها المنافقون!! هذه قصتكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر».

وتعاظم النفاق ليصبح عنوانًا للنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. النظام المنافق الذي تتوه فيه الحقيقة ويعلو صوت المنافقين. لقد وصلت البجاحة مثلًا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التهديد بمحاكمة أعضاء المحكمة الجنائية الدولية لمجرد أنها أدانت إسرائيل وأظهرت العين الحمراء لبعض قادتها وهددت بإصدار أحكام جنائية ضدهم لما قاموا من جرائم إبادة جماعية في حق المدنيين، باستخدام أعتى الأسلحة الأمريكية والأوروبية التي قتلت نحو أربعين ألفا نصفهم على الأقل من النساء والأطفال، وأصابت نحو مئة ألف آخرين وهدمت البيوت ودور العبادة والمستشفيات والمدارس على مدى تسعة أشهر متتالية، دون أن تجد من يمنعها عن مواصلة هذه الممارسات الوحشية، لأنها وجدت من يخترع المبررات للقتل وسفك الدماء، باعتباره ردًا مشروعًا على من يقاومون لإعلان رفضهم احتلال أراضيهم بالقوة. وعلى رغم مئات المظاهرات التي قامت بها شعوب في مختلف دول العالم، ومن بينها شعوب أمريكا وأوروبا الغربية ذاتها، وكذلك شعوب آسيا وأفريقيا رفضًا للظلم، إلا أن هناك على كوكب الأرض الذي تحول إلى كوكب النفاق الذي تاهت فيه الحقيقة من لم يحرك ساكنًا، وعلى العكس دافع عن حق القتلة في القتل. وانقلب الباطل حقًّا والحق باطلًا. اللهم أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، وفرج كربة المكروبين. 

وإلى الأسبوع المقبل، إن كان في العمر بقية، لنواصل معًا تدبر آيات القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك.