محمد ناير: لم أتوقع النجاح السريع للمسلسل | حوار

محمد ناير
محمد ناير

اقتحم القبطان “إبراهيم” خيال الكاتب محمد ناير, ليشغل حيزا كبيرا من تفكيره ويصبح مصدر إلهام له والخط الدرامي الأول الذى بنى عليه فكرة مسلسل “دواعي السفر”, وبمهارة فريدة وإبداع متجدد وقدرة على نسج قصص تلامس الحياة اليومية وتخاطب المشاعر الإنسانية, تمكن من جذب انتباه واهتمام المشاهد الذي بات ينتظر بشغف عرض كل حلقة جديدة ويصبح القبطان “إبراهيم” وصديقة “على” جزءا من كل بيت مصري وضيفان مرحب بهما.

من خلال هذا الحوار يكشف الكاتب والمؤلف محمد ناير تفاصيل العمل وعلاقته بأمير عيد, وكيف تحولت تلك القصة لسرد درامي مثير جذب انتباه الجمهور وأثار إعجاب النقاد.

◄ ما الذى ألهمك لكتابة مسلسل “دواعى السفر”، ولماذا اخترت الاكتئاب والوحدة لتسليط الضوء عليهما على وجه الخصوص؟

البداية جاءت من فكرة القبطان “إبراهيم” الذى يعيش فى وحدة بعد وفاة زوجته وسفر ابنته الوحيدة, فيخلق عالما من نسج خياله ويدعى كذبا على ابنته سلمى بقضاء أوقات ممتعة بصحبة أصدقاؤه من باب الطمأنينة، وهو مثال موجود في بيوت مصرية كثيرة, وكان ذلك الخط الدرامي الأول الذى بنيت من خلاله الأحداث, مع شخصية “على” الذى يلتقى به القبطان ومن خلال موقف معين تنشأ علاقة الصداقة بينهما ويتحدان فى تحقيق تلك الأحلام والقصص الخيالية ليزيد ذلك من طمأنة ابنته عليه.

وبالنسبة لفكرة الانتحار الحقيقة هى كانت اقتراح من أمير عيد, ليظهر التناقض بين الشخصيتين, شخصية “على” الذى يعيش ريعان شبابه وقمة نجاحه فى عمله، إلا أنه يفقد الرغبة فى الحياة ويفكر فى الانتحار نتيجة لمعاناته النفسية بعد وفاة والده الذى كان صخرة الأمان له وشعوره بتأنيب الضمير, وهو ما يتناقض تماما مع شخصية القبطان “إبراهيم” فالبرغم من كبر سنه وأنه يعيش أخر أيام حياته بسب مرضه, إلا أنه شخص محب ومتمسك بالحياة.

أعجبت جدا بالتركيبة وعلى أساسها تم بناء الخطوط الدرامية الأخرى وربطها ببعض, وبدأت أتساءل ماهى أبعادهم النفسية, وماهى معاناتهم؟, ومن هنا ظهرت فكرة الوحدة والحقيقة أنها ظهرت فى مرحلة متأخرة من الكتابة, فتسليط الضوء على الاكتئاب والوحدة لم يكن مقصودا منذ بداية الفكرة.

◄ هل قمت بالبحث أو التحضير لفهم أعمق لهذا الشق النفسى وتجسيده بدقه؟

أنا خريج كلية صيدلة جامعة حلوان وحاصل على إمتياز فى علم النفس, فلم يتطلب الموضوع منى بحث متعمق لمعالجة المشكلة النفسية, فالاكتئاب ليس مرضا إنما هو حالة تنتاب الانسان نتيجة لعوامل وضغوطات معينة فى الحياة تتسبب فى دخول الانسان فى حالة من الانغلاق والشعور بعدم التأثير وغياب الأسباب من الحياة، وبالتالى عدم الجدوى منها, فالمؤلف يمتلك خبراته الحياتية وقراءته وثقافته, وأعتقد أنه كافى فى بعض الموضوعات, فليس بالضرورة أى موضوع يتم مناقشته دراميا أن يقوم الكاتب ببحث معين فمن الممكن جدا أن يستند على خبراته الخاصة, وإذا اضطر الأمر للرجوع لمختصين بالتأكيد أفعل ذلك.

◄ كيف كانت عملية تطوير الشخصيات دراميا؟

بمجرد تحديد الفكرة والإطار العام للعمل, فإن ذلك يفتح المجال لرسم الشخصيات وتحديد أبعادها النفسية والاجتماعية, وكما ذكرت فى بداية الحديث أننى بدأت بشخصيتى “إبراهيم” و”على”, وكيف تم تطوير الخط الدرامي الخاص بهما ومن ثم  تحديد الموضوع، فأى شخصية بعد ذلك يتم إضافتها لهذا العالم لابد أن تأتى فى نفس السياق, فمثلا بناء شخصية “فريدة” و”عثمان” ودخولهما لهذا العالم بناءا على أن مشكلتهم والأزمة الدرامية من نفس سياق الوحدة ولكن بأسباب مختلفة, نفس الأمر بالنسبة “لداليا” و”سامى” وهكذا.

◄ هل واجهت صعوبات فى الحفاظ على التوازن بين الجانب الدرامى والترفيهى وبين طرح قضية نفسية واجتماعية؟

تحقيق هذا التوازن مسألة ترجع للمشاهد, فمن الممكن أن أقدم عملا من وجهة نظرى يحمل قيمة فنية بصريا وسمعيا وفى مستوى فنى عالى جدا, وفى نفس الوقت أعرض المعلومة والفكرة بشكل بسيط للمشاهد, والحكم له فى النهاية, وبالمناسبة توقعت أن مسلسل “دواعى السفر” سيأخذ وقتا طويلا جدا حتى يصل لمرحلة الانتشار مع الناس لكنى فوجئت برد فعل وصدى ممتاز منذ عرض الحلقات الأولى وهو شئ أسعدنى جدا, لكن للأمانة لم أكن أتوقع أن يشاهده الجمهور بهذه السرعة.

◄ لماذا ؟

قد يكون ذلك بسبب تعود الناس على الدراما السهلة السريعة بتوليفات معينة, كما أن هذا النوع من الدراما الاجتماعية اختفى منذ فترة كبيرة, فكانت ردود الأفعال بالنسبة لى غير متوقعة.

◄ كيف تم اختيار الممثل الفلسطينى كامل الباشا لشخصية القبطان إبراهيم, وكيف وجدت التعامل معه؟

أثناء البحث عن الفنان المناسب تم طرح عدة أسماء, إلى أن اقترح المنتج المنفذ “على فايز” اسم كامل الباشا تحمست جدا أنا وأمير للفكرة لشدة إعجابنا وحبنا له منذ زمن, وعندما حضر كامل إلى مصر قبل التصوير بشهر تقريبا تم خلاله أكثر من بروفة عمل منها فى منزله الخاص بالزمالك, وجلسات تحضير مع أمير لإحداث مزيدا من التقارب وتوحيد الأداء حتى نشأت تلك الكيميا بينهما والعلاقة التى لمسها الجمهور.

◄ وبالنسبة لاختيار أمير عيد للبطولة, هل جاء بناءا على الصداقة بينكما؟

أنا وأمير جيران تربطنا علاقة صداقة قوية منذ زمن, نتناقش ونتبادل وجهات النظر فى جميع المشاريع الفنية, فهو موجود فعليا فى أى فكرة أو مشروع فنى سواء شارك أو لم يشارك فيه بالتمثيل, وأثناء مناقشة العمل عرضت عليه فكرة التمثيل وتحمس جدا لها.

◄ هناك من يرى وجود تشابه فى بعض الجوانب بين شخصية “أمير عيد” فى الحقيقة وشخصية “على”, ما تعليقك؟

غير صحيح, ومن يعتقد ذلك فهو لايعرف شخصية أمير عيد فى الحقيقة, اعتقد من خلال اللقاءات الإعلامية له فدائما يتحدث عن حياته الشخصية وفى النقطة النفسية تحديدا والظروف التى أثرت فى حياته مما جعل البعض يكون انطباع بوجود شبه بينهما, وفى حقيقة الأمر الشخصيتان مختلفتان تماما, “على” شخصية عدمية جدا ونقدية, عكس أمير فهو محب للحياة وشخص فكاهى, فهناك فروق كبيرة جدا وهذا الانطباع يؤكد على أن أمير أجاد فى تقديم الشخصية حتى يصل هذا الاحساس للناس.

◄ تميز العمل بالإيقاع الهادئ, فكيف ترى تأثيره على المشاهد وفهمه للقضية المطروحة؟

توظيف الإيقاع الهادئ كان مقصودا من حيث العوامل البصرية واستخدام ألوان معينة تعطى انطباع وشعور بالراحة وبالتالى الاندماج مع الإيقاع الهادئ, وتجنب ألوان أخرى قد تعطى تأثيرا غير مطلوب, أيضا المؤثرات الموسيقية وهندسة الصوت لعبت دورا كبيرا فى تعزيز تلك الأجواء, ولأن طيعة النص يتناول الوحدة, فكان لابد أن تكون الصورة فراغية بشكل يخدم النص والموضوع, كذلك يأتى محيط الشخصيات بعيدا عن الصخب وضوضاء الحياة.

◄ اقرأ أيضًا | محمد ناير: تجربة الإخراج لم تأتِ بالصدفة

◄ اختيار حى المعادى الذى يمتاز بالهدوء هل كان مقصودا لتعزيز الإيقاع الهادئ للمسلسل؟

بالفعل اختيار المعادى جاء لأنها تعتبر أنسب الأماكن لأحداث العمل فيها عيادات تمتاز بشكل معين محاطة بالحدائق ومازال سكانها يمارسون رياضة المشى حتى الآن عكس أى منطقة أخرى.

◄ ما الذى دفعك لخوض تجربة الإخراج للمرة الأولى، وهل هذا كان رغبة فى تنفيذ رؤية خاصة للعمل؟

الفضل فى اتخاذ تلك الخطوة يرجع لفريق العمل فى منصة “watch it” وكذلك أمير عيد كان له عامل كبير جدا, فكان من وجهة نظرهم أن أتولى العملية الإخراجية بنفسى, و وجدت الدعم اللازم من كل المحيطين لخوض التجربة, فلم يكن هناك أى ترتيبات أو حسابات مسبقة, وبالتأكيد من ضمن الدوافع رغبتى فى تنفيذ رؤية خاصة ولحبى لهذا العمل.

◄ كيف كان الانتقال من الكتابة إلى الإخراج, وما هى التحديات التى واجهتها؟

لم يحدث الانتقال الذى يتسبب فى مفاجأة, ففكرة إخراج العمل جاءت منذ المراحل الأولى فى الكتابة وليس بعد الانتهاء منها, كما كانت لى مشاركة برؤيتى فى عدة أعمال سابقة لكن الاختلاف هنا أنه العمل الأول الذى أتولى إخراجه بشكل كامل.

وبالنسبة للتحديات, الحمد لله لم أواجه أي صعوبة خلال المهمة الإخراجة ويرجع ذلك بسبب روح التعاون والصداقة والحب بين فربق العمل.

◄ كيف أثرت رؤيتك كمؤلف على أسلوبك فى الإخراج ؟ 

فعلا كنت قلقا جدا بشأن هذا الأمر, فأنا أعلم أن تنفيذ أعمالى قد يستغرق بعض الوقت, والبدايات فى أى مسلسل أو عمل من أعمالى تتطلب وقتا حتى يصبح الإيقاع أسرع, وهذا الأمر شغل حيز كبير من تفكيرى لذلك عملت كثيرا على الحلقة الأولى والثانية لتجنب بطء الأحداث.

◄ وهل كونك الكاتب ساعدك فى العملية الإخراجية وتقديم رؤية أفضل؟

طبعا عندما يكون الكاتب هو المخرج يساعد ذلك فى الحفاظ على الجوهر الأساسى للقصة و وجود رؤية موحدة أكثر وضوحا وتفصيلا للأحداث، مما ينعكس على العمل ليصبح أكثر انسجاما وتناغما بين النص والإخراج, ومن خلال فهمى العميق للقصة والرسالة التى أريد إيصالها استطعت توجيه الفريق بشكل دقيق لتحقيق الأهداف الفنية والدرامية للعمل, وهى تجربة أعتبرها نقلة فى مشوارى المهنى.

◄ ماهى آخر التطورات الخاصة بفيلم “قصر الباشا”,وهل تم تحديد موعد عرضه؟

الفيلم من بطولة أحمد حاتم, حسين فهمى, صدقى صخر ومجموعة متميزة جدا من الفنانين, تدور أحداثه فى إطار من الجريمة ممزوج بالكوميديا السوداء.

وقد تم الانتهاء من تصوير جزء كبير من الفيلم, لتبقى المراحل النهائية والتى يتم استئنافها بعد إجازة العيد.

وبالنسبة لموعد العرض هى مسألة من اختصاص جهة الإنتاج ولم يتم تحديدها بعد.

◄ ولماذا وقع الاختيار على روايات الكاتبة أجاثا كريستي ليستوحى العمل منها؟

أجاثا كريستى لديها سلسة روايات عن الجرائم ولها جمهورها والكثير منها تم تحويله لأفلام, فهى نوعية دراما غير متواجدة على الساحة بشكل كبير, دراما الجريمة واللغز والحل وشخصية المحقق, لقد كتبت الفيلم بنفس الروح لكن ليس من رواية معينة لها ولامستوحى منها.

◄ ما هى أكثر الأعمال الأدبية إلهاما لك فى مسيرتك المهنية؟
دائما أسعى لقراءة كل ما يتناسب مع طريقة تفكيرى ويعكس اهتماماتى ويشعرنى بالشغف لتحويله لعمل درامى وسبق لى تحويل رواية لأحمد مراد إلى عمل درامى.

;