مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات

الشاعر مرسي جميل عزيز
الشاعر مرسي جميل عزيز

محمد‭ ‬كمال

لقب بـ”ملك الحروف” و”موسيقار الكلمات” و”شاعر الألف أغنية”.. بدايته كانت مع نهاية الثلاثينيات، لكن بزغ نجمه ولمع اسمه مع جيل ثورة يوليو 1952 مع مجموعة الشباب المبدعين الذين حملوا راية الفن المصري على أعناقهم منذ تلك الفترة، وعلى مدار ما يقرب من 30 عاما، هذا الجيل الذي عاش الحلم الناصري، وذاق هزيمة يونيو، ثم تعايش مع انفتاح السبعينيات، هؤلاء الموهوبون الذين استخدموا الفن للتعبير عن كل تلك التغييرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها مصر، وكانت الكلمة تحمل نصيب الأسد وأحد فرسان الرهان، وملك الكلمات وتحديدا في الأغنيات المصرية، هو الشاعر مرسي جميل عزيز، الذي نخلد هذا الأسبوع ذكرى ميلاده، حيث ولد في 9 فبراير عام 1921 في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتوفى في 9 فبراير عام 1980 عن عمر 59 عاماً، وكان والده أحد أهم تجار الفاكهة في ذلك التوقيت، ولعب الأب دورا بارزا في نشأة حياة نجله وإثقال موهبته واهتماماته الأدبية، فقد جعله يتجه إلى حفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، والمعلقات السبع كاملة، وقرأ لكثير من الشعراء يتقدمهم بيرم التونسي.

كان لهذا الاهتمام الكبير الذي حظى به الابن نتاج سريع ومهم، حيث كتب أول قصيدة شعرية وهو في سن الثانية عشرة في رثاء أستاذه، وفي عام 1939 - وهو لم يكمل عامه الـ18 - أذيعت له أول أغنية في الإذاعة، والتي حملت اسم “الفراشة”، والتي قام بتلحينها الموسيقار الكبير رياض السنباطي، لتبدأ مسيرة الشاعر مرسي جميل عزيز في نفس العام من خلال أغنية “يا مزوق يا ورد في عود” التي قام بغنائها المطرب عبد العزيز محمود.

تميزت موهبة مرسي جميل عزيز بالتنوع، فلم يكن شاعرا مميز في لون معين، أو يميل إلى أحد الأنماط في الكتابة، بالعكس فقد كتب الأغنيات بشكل مختلف العاطفية والشعبية والوطنية والأدبية، وأيضا الأوبريت، لدرجة أنه لقب بـ”شاعر الألف أغنية”، وهو رقم كبير لم يصل له الكثيرون من الشعراء، والميزة في عزيز أنه جمع بين الكم والكيف. 

في عام 1940 حصل مرسي جميل عزيز على البكالوريا، وألتحق بكلية الحقوق، وساعدته نشأته الفنية أن يصبح رئيسًا وعضوًا لعدة جماعات فنية مثل الشعر، الآداب، فنون التصوير، الموسيقى والتمثيل، كما انضم لفريق الرحلات، وفيما بعد لم يكتف بموهبته لكتابة الشعر فدرس اللغة العربية والشعر والأدب والتراثين العربي الحديث والقديم، والأدب العالمي وأصوله ونظرياته وقواعده النقدية، كما ألتحق بمعهد السينما، وكان الأول على دفعته، وحصل على دبلوم في فن كتابة السيناريو عام 1963.

لم تتوقف موهبة وإنتاج مرسي جميل عزيز عند كتابة الأغنيات فقط، بل امتدت إلى كتابة القصة القصيرة والسيناريو والمقالات الأدبية في الصحف والمجلات المصرية، حتى اعتبره النقاد ظاهرة أدبية وفنية بارزة، وليس مجرد شاعر غنائي فقط.

كانت موهبة مرسي جميل عزيز أحد أهم العوامل التي ساهمت في تشكيل نجومية الشاب وقتها، عبد الحليم حافظ، فقد جاء التعارف بينهما من خلال الملحن محمد الموجي، وكانوا وقتها كلهم شباب متحمس ولديهم الرغبة في التعبير عن متغيرات الوضع خلال فترة الخمسينيات، لهذا خلقوا جيل جديد بمعطيات موسيقية حديثة أعادت الأغنية القصيرة للسيطرة على الساحة بعد أن كانت تقتصر على الأفلام فقط، وبدأت فكرة وجود الأسطوانات التي تحتوي على أكثر من أغنية بدلا من أن الأسطوانة التي تحمل أغنية واحدة فقط، هؤلاء الشباب الموهوبون جعلوا “موسيقار الأجيال”، محمد عبد الوهاب، يسير على دربهم ووفق منهجهم الجديد.

كان التعاون الأول بين مرسي جميل عزيز وعبد الحليم حافظ من خلال أغنية “مالك ومالي”، حتى وصل التعاون بينهما إلى ما يقرب من 35 أغنية، ليحمل “العندليب” النصيب الأكبر من إبداعات عزيز الشعرية، ومن بين الأغنيات التي ألتقى فيها الثنائي “نعم يا حبيبي، بتلوموني ليه، يا خلي القلب، بأمر الحب”، وقدم مرسي جميل عزيز 3 أغنيات في مسيرة أم كلثوم، والثلاثة من تلحين بليغ حمدي، كانت البداية مع “سيرة الحب” عام 1964 ثم “فات الميعاد” عام 1967، وأخيرا “ألف ليلة وليلة” عام 1969.

يعتبر مرسي جميل عزيز الشاعر المصري الوحيد الذي غنت له فيروز من خلال قصيدة “سوف أحيا” من تلحين الأخوين رحباني، وقامت فيروز بتسجيلها في استديوهات القاهرة خلال زيارتها لمصر مع فرقتها، وذلك عام 1955، وتعاون أيضا عزيز مع العديد من المطربين المصريين من بينهم شادية، التي قدم لها أهم أغنيات أفلامها مثل “على عش الحب” و”وحياة عينيك” في فيلم “الزوجة رقم 13”، كما قدم أغنيات أكثر من 25 فيلما، وكانت البداية مع فيلم “مبروك عليكي” عام 1949، والتجربة الأخيرة مع المخرج حسين كمال من خلال فيلم “مولد يا دنيا” عام 1975، ومن أهم التجارب التي قدمها عزيز أغنيات فيلم “الشموع السوداء”، تلك التجربة التي تحدث عنها عزيز كثيرا، خاصة أنها لم تجمعه بنجاة فقط، بل أيضا بنجم الكرة والنادي “الأهلي”، صالح سليم.

 

ساهم مرسي جميل عزيز في شهرة أثنين من أهم المطربين، هما فايزة أحمد، حيث قدم لها أغنيات “ليه يا قلبي، بيت العز، يامه القمر على الباب، تمر حنة، حيران”، والثاني محرم فؤاد الذي قدم له كلمات أغنيات فيلمه الأول “حسن ونعيمة”، ولم يتوقف الدعم عند هذا الجيل، بل أمتد إلى الشباب الذين بدأوا خطواتهم الأولى خلال فترة السبعينيات، مثل هاني شاكر ومحمد ثروت، وحصل مرسي جميل عزيز على تكريم من الدولة المصرية عام 1965، حيث حصل على وسام الجمهورية في الآداب والفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

 

لم تتوقف سيرة مرسي جميل عزيز بعد وفاته، بل تمتد حتى الآن، حيث أنه مازلت أغنياته متواجدة من خلال الأجيال المتعاقبة ممن يطلبون الحصول على حقوق إعادة غنائها، وكان آخرهم اللبنانية نانسي عجرم التي استعانت بكلمات أغنية “أنا وأنت والحب تالتنا” التي قام بغنائها فريد الأطرش وهند رستم في فيلم “الخروج من الجنة” عام 1967 للمخرج محمود ذوالفقار، وأيضا في حفلات الموسيقى العربية، وفي مهرجان الأوبرا السنوي دائما تكون كلمات مرسي جميل عزيز حاضرة وبقوة.

 

لكن يظل الحدث الأبرز بعد وفاة مرسي جميل عزيز، وتحديدا عام 1989، عندما طرح “موسيقار الأجيال”، محمد عبد الوهاب، أغنيته الجديدة التي حملت اسم “من غير ليه”، والتي عاد بها عبد الوهاب للساحة من جديد وقت انتشار شرائط الكاسيت، واستطاعت هذه الأغنية منافسة أغنيات الجيل الجديد وقتها مثل عمرو دياب ومحمد فؤاد وحميد الشاعري، تلك الأغنية التي كتبها مرسي جميل عزيز عام 1975، وكان من المفترض وفق الاتفاق مع عبد الوهاب أن يقوم بغنائها عبد الحليم حافظ في حفل عيد الربيع من نفس العام، لكن عبد الوهاب وقتها استمر وقت طويل في تلحين الكلمات، قبل أن يحدث خلاف بينه وبين عزيز على بعض الرؤى والأفكار المتعلقين باللحن والكلمات، إلى أن توفى عبد الحليم حافظ عام 1977 دون غنائها، ورحل مرسي جميل عزيز عام 1980، ورفض عبد الوهاب أن يعطي اللحن لأي مطرب آخر، ومن ضمنهم هاني شاكر، الذي كانت لديه الرغبة القوية في الحصول على هذا اللحن، إلى أن قرر “موسيقار الأجيال” أن يتولى بنفسه مسئولية غناء تلك الكلمات التي حققت وقت صدورها نجاحا جماهيرا كبيرا، كأنه يريد أن يرد الجميل لصاحب الكلمات الأصلي مرسي جميل عزيز، الذي لم يسمع اللحن النهائي في حياته، لكن ظلت الأغنية خالدة حتى يومنا هذا.

اقرأ أيضا : في ذكرى وفاة مرسي جميل عزيز.. أثرا المكتبة العربية بأشعاره وأغانيه

;