فواصل

بايدن - نتنياهو.. ومعركة «كسر عظم»

أسامة عجاج
أسامة عجاج

مصر وسيط أمين نزيه، يملك آليات تعتمد على مبادئ راسخة للتعامل مع هذا الملف

قولًا واحدًا، فإن مصر من حقها اعتذار رسمى، من تلك الجهات، التى سربت فى السادس من مايو الماضى، تقريرًا مزورًا حمل أكاذيب وادعاءات، عن تغييرات أدخلها المفاوض المصرى، على اتفاق لتبادل الأسرى، مما أفسد الصفقة، رغم أن الاتفاق تم بمعرفة جهات الوساطة الثلاث، ومنها بالطبع الأمريكى، هذا ما تبادر لذهنى، منذ اللحظة الأولى الذى أنهى فيها الرئيس الأمريكى جون بايدن خطابه الجمعة الماضية، والذى أعلن فيه عن (خريطة طريق) لصفقة وصفها بأنها إسرائيلية، زاد قناعاتى بضرورة الاعتذار، بعد تصريح  مسئول أمريكى، بعد الإعلان مباشرة، بأنه (ليس هناك فرق بين ما طرحه الرئيس الأمريكى، والاتفاق الذى نجحت مصر فى الحصول على موافقة حركة حماس عليه) (بل تكاد أن تكون متطابقة)، فمصر وسيط أمين نزيه، يملك آليات تعتمد على مبادئ راسخة للتعامل مع هذا الملف، ومنها المساهمة فى إنجاح المقترح، عبر البيان الذى خرج من الوسطاء الثلاثة والذى دعا طرفى الأزمة للقبول به، وكذلك (استخدام ورقة ضغط مهم) على إسرائيل كشف عنه التصريح الذى صدر بعد اللقاء الثلاثى مع الجانب الأمريكى والإسرائيلى، الذى أكد عن ضرورة انسحاب الإسرائيلى من الجانب الفلسطينى من معبر رفح حتى يتم تشغيله من جديد، واستئناف المساعدات، ومنها ـ ثالثًا - المشاركة مع عدد من الدول العربية المعنية بإيجاد حل ينهى العدوان، والذى تجسد فى البيان العربى الخماسى الصادر عن القاهرة والرياض والدوحة وأبو ظبى والأردن. 

وأتوقف هنا عند بعض الملاحظات حول الإعلان عن الأمريكى، الذى وصفه بايدن بخارطة طريق نحو وقف إطلاق النار، وهى كالتالى: 
أولًا: على عكس كل التحليلات، التى أشارت إلى وجود تنسيق بين الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية، فاعتقادى أن المرحلة الحالية، تمثل معركة (كسر عظم) أو (عض أصابع) بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو وحلفائه من قادة اليمين المتطرف، بدخول بايدن بكل ثقله وإعلانه هو شخصيا عن المقترح، فكل منهما يعرف نقاط قوة وضعف الآخر، ويستثمرها جيدًا، بايدن يعى تمامًا بأن هناك تيارا داخل الحكومة وفى المعارضة فى إسرائيل، مع وقف الحرب، وفى مقدمتهم جانتس، الذى هدد بالخروج من الإئتلاف، والعمل على إسقاط الحكومة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الصفقة، ويتردد فى هذا الشأن، أن الصفقة تمت صياغتها من وراء ظهر نتنياهو، وبترتيب بين المخابرات الأمريكية والموساد والشاباك، وتم اطلاع جالانت وجانتس الوزير السابق عليها، وعلى الجانب الآخر فنتنياهو، هو الآخر يرى فى الكونجرس بشقيه الجمهورى بالأساس، ومعهم بعض الديمقراطيين داعمين له، ويمكن استثمارهم فى تخفيف ضغوط الإدارة عليه، وكان غريبا أنه فى ذلك التوقيت، يتم الإعلان عن دعوته لمخاطبة الكونجرس للمرة الرابعة، هو أول مسئول فى العالم، يلاقى مثل هذه المعاملة، للتنسيق حول التحديات التى تواجه البلدين.

ثانيا: إن هناك جهدا لكل من الرجلين للحفاظ على مستقبلهما السياسى، بايدن تصدى للإعلان ليقدم نفسه على أنه (رجل سلام)، يسعى إلى إيجاد حل نهائى لأزمة مستعصية تاريخيا على الحل، وعينه على الانتخابات القادمة فى شهر نوفمبر، والتغيير النوعى فى مواقف الشارع الأمريكى، بصفة عامة من العدوان الإسرائيلى على غزة، الذى يعانى حالة تملل من المساعدات غير المسبوقة لإسرائيل، والقناعة بأن ما تقوم به تل أبيب إبادة جماعية فى حق الفلسطينيين،  أما غريمه نتنياهو - إذا صح التعبير - فهو أيضا يخشى من القبول السريع، لأن النتيجة التى يعرفها الجميع، هو انفراط عقد الحكومة، وبدء محاكمته على تهم الفساد والإهمال، ووضع كلمة النهاية فى مسيرة سياسية طالت أكثر من اللازم، وكان من اللافت تصريح الرئيس بايدن لمجلة التايم بهذا الخصوص. 

ثالثا: (الشياطين تعشش فى التفاصيل)، فرغم النقاط الكثيرة المهمة، والتى دفعت حركة حماس على أنها ستتعامل بإيجابية، فهناك إهمال متعمد لأى إشارة إلى اليوم التالى، بعد وقف المعارك، سوى فى الحديث عن مرحلة إعادة الإعمار فى المرحلة الثالثة، وفق ما جاء فى الخطة، ولكن التصريحات الإسرائيلية تكشف عن صعوبة انتهاء العدوان، مع تصريحات نتنياهو شخصيا، وشروطه تدمير قدرات حماس العسكرية وحكومتها، وكذلك رفض وزير الدفاع الإسرائيلى جالانت، (استمرار حماس فى حكم قطاع غزة فى أى مرحلة خلال عملية انتهاء الحرب، وأنها تبحث عن بدائل للحركة). 
وبعد، فالأيام القادمة ستكشف مسار الأحداث، نتمناها فى صالح إنهاء المأساة الإنسانية التى يعيشها الشعب الفلسطينى.