تساؤلات

خلاوييص

أحمد عباس
أحمد عباس

خلف الباب اغرانى صوت الصغار فتنصتُ أصغرهم ينادى بحماسة: خلاوييص؟ والباقون يردون بمكر: لِسه، ويكسرون اللام ويدغمونها فى السين. يعاود الصغير السؤال: خلاوييص، فيتذاكى الكبار أكثر ويشتتون أصواتهم حتى يتوزع تركيز الصغير فيفقد القدرة على تمييز أماكن الاختباء.
ثم يسأل: خلاوييص! فتبدأ كعوب الأطفال فى قرع بلاط البيت، الرجل فى الشقة السفلى يشكو عادة من ذاك النقير ولما تضيق به السبل يصرخ: عيال ولاد شياطين، ايه المدعوق اللى مصحيكم بدرى كده.


يسمعه الاولاد من شباك صغير يطل على المنور، فيتقافزون أكثر ويهأهئون ويتمادون فى اللعبة، يصيح الولد: خلاوييص! فينخفض صوت الأولاد: لِسه، فيسأل الصبى: أجيب البوليس، فيعلو الصوت من جديد: لااأة. يقهقه الصغير من قلبه، لقد أخافهم هذه المرة ويحذرهم: خلاص هافتح واشوف، فيختفى صوت المختبئين.


ااه نفس اللعبة تتكرر كما هى، الأصغر يغمضه الكبار عنوة ويستغلون ضعفه وبراءته، بينما يظنون أن الولد ساذج ومن الساهل استغفاله وأنهم أهل ذكاء وفطنة.
يكتشف الصغير حيل -جمع حيلة- الكبار أسرع مما يتخيلون ذلك ان غرورهم يمنعهم من تصور أنهم بهذه السهولة ينكشفون، بينما الصغير يفهم انه صغير ويعى ان عليه الاعتماد على ذاته والاحتماء بعقله وذكائه فقط، فلا يلجأ لدهاء أو مكر بل الى عقله وما جمعته حواسه من أفكار وأصوات وتجارب فيسخر كل ما أوتى من فهم لكشف هؤلاء الملاعين الذين يستغلون صغره فى كل مرة.
يفتح الصغير عينيه وينادى: فينك فينك شايف ديلك! بينما الأولاد يكتمون انفاسهم بعناية فائقة ولو استطاعوا كتم صوت دقات قلوبهم التى تكاد تشى بهم، لفعلوا.
منحهم الولد كل الفرص للاختباء والكبار أمعنوا فى التخفى، يتتبعهم الصغير بسهولة فيبدأ الهرج مرة أخرى ويسرى صوت الصغار ويختلط صراخهم من جديد وتتعالى صيحات الجار: يا أولاد الشياطين، وأنا لا اسمع احدا منهم يصل الى حائط البداية قبل الصغير. ذلك ان قواعد اللعبة تقضى بأنه اذا تمكن احد المختبئين من العودة للحائط الذى بدأت منه اللعبة أولًا دون ان يمسكه احد يكون قد فاز.
يعتقد الكبار ان دهاءهم سيحميهم وهم من سيقرر النهاية لا الصبى ذلك بالطبع لأنه الصغير، ثم لما ينجح الصغير فى كشف احدهم ويمسك به يصرخ الكبير فى وجهه ويقاومه ليفلت، بينما قواعد اللعبة تقول انه يكفى ان يكتشف الصغير مكان الاختباء ليخسر من اكتشف مكانه ولا بنود اخرى تخص مطاردات أو قواعد الاشتباك.


أو على الأقل سيتهمونه بأنه كان غشاشا ونجح فى القبض على أحدهم لأنه لم يكن مغمضا كما يجب بل خمهم وأغمض واحدة بينما الأخرى كانت بين بين تسمح بدخول الضوء وتحديد الاتجاهات التى جروا منها لا الأمكنة بالضبط.


ولما ينكشف أحدهم يشعر الباقون بالتهديد فتصير فوضى فى المكان ويخرج الجميع مذعورين من جحورهم فيفضحون أمرهم بأيديهم لا بمكر الصغير او حكمته -بأنفسهم فقط- وإنما بغبائهم. صوت الصغير يعلنها صراحة: باللمس والله باللمس، يعنى انه يكفى ان يلمس احدهم حتى يكون قد أمسك به، والكبار يردون: عيوطة، ثم يبدأ هو البكاء الممزوج بالضحك كأنه يعلن تأهبه لحسم اللعبة لكن بقواعده هو وميزته الوحيدة ولا شىء يجد سوى أنه الأصغر وعلى الكبار ارضاؤه إما تعاطفا معه أو بأمر فوقى من سلطة أعلى بالبيت، فيبكى وهم يضحكون ويسيبون له أنفسهم وهو يلهو بهم كيفما يشاء.. وهكذا تدور اللعبة.