إنها مصر

«لن تكون آخر الأكاذيب»

كرم جبر
كرم جبر

   لا أستبعد شيئاً فالمنطقة أصبحت مثل الأوانى المستطرقة، أنابيب صغيرة وكبيرة ومنتفخة ورفيعة ومتعرجة ومستقيمة وأشكال وألوان، وتظهر فى مستوى علوى واحد ولكنها مختلفة الأحجام.. وهكذا الأحداث المتلاطمة فى المنطقة.

 أكاذيب "سى إن إن" بشأن اتفاق التهدئة، لها علاقة بأكذوبة نتنياهو بأن مصر تأخذ غزة وسكانها رهائن، وهجوم الإخوان وإسرائيل على فريق التفاوض المصري، والترتيبات الأمنية الأمريكية فى المنطقة، والحوار حول إسرائيل والتطبيع، والفيديو الذى نشره الجيش الإسرائيلى عن مزاعم تعذيب حماس لمجندات إسرائيليات، وإصرار المحكمة الجنائية إصدار أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين وفلسطينيين و.. و...

   وكل الطرق تؤدى إلى مصر التى تتحمل فى صبر وصمت ولو تحدثت قلبت كل الموازين.

  فى اتفاق التهدئة لم تتدخل مصر إلا للتوفيق بين الأطراف وتقريب المسافات، وبعد أن وافقت إسرائيل على تبادل الأسرى على ثلاث مراحل ،تراجعت وطلبت الإفراج عنهم جميعاً مرة واحدة.

  رفضت إسرائيل الالتزام بوقف إطلاق النار، ورفضت الولايات المتحدة أن تضمنها فى الوثيقة، بينما وافقت مصر على ضمان حماس فى تنفيذ التهدئة وتبادل الأسرى والالتزام بوقف إطلاق النار. 

  والأمر الذى أثار هياج إسرائيل هو رفض مصر أى تواجد عسكرى لإسرائيل فى غزة مستقبلاً، وأن ينسحب الاحتلال من كامل المنطقة، واصطدم الإصرار المصرى بتمسك إسرائيل باستمرار تواجدها العسكرى.

وكان طبيعياً أن يغضب المفاوض المصرى ويبدى استياءه الشديد من حرب الأكاذيب التى تديرها إسرائيل، بسبب صلابة الموقف المصرى من بداية رفض التهجير القسرى إلى إدخال المساعدات وفتح المعبر والتصدى للأعمال الإجرامية فى غزة، والانضمام إلى جنوب أفريقيا فى محكمة العدل الدولية.

 ولأنها الأوانى السياسية المستطرقة لجأت إسرائيل إلى الأكاذيب الصغيرة لتبرير جرائمها الكبرى، وهى تعلم جيداً أن المعبر مفتوح من الناحية المصرية، بينما أغلقته من الناحية الفلسطينية بعد احتلالها وتدمير الطرق ومناطق استقبال المساعدات، وكثافة الغارات التى لا تنقطع بالليل والنهار ولا تسمح أبداً بعبور الشاحنات.

  الشاحنات أمام المعبر من الناحية المصرية بالمئات، محملة بآلاف الأطنان من السلع الغذائية التى فسد بعضها بسبب حرارة الجو، وإسرائيل ترفض دخولها لاستمرار حرب التجويع، ثم يكذب نتنياهو ويقول: "افتحوا لهم الحدود"، للتهجير القسرى وليس إدخال المساعدات.

  مصر فى ظهر القضية الفلسطينية، وهى الطرف القوى والمؤثر فى أى مباحثات لأسباب كثيرة تفهمها الأطراف كلها، وأهمها دورها التاريخى الذى لم يتراجع يوماً رغم فداحة الثمن، أما العبث الذى تديره إسرائيل بموافقة أمريكية فلن تشترك فيه مصر بأى شكل من الأشكال.

 مزاعم "سى إن إن" ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكلها تصب فى مجرى واحد هو التشكيك فى دور مصر، لأنها الطرف الأقوى الذى يضمن عدالة الموقف السياسي، ولن تترك الفلسطينيين وحدهم فى مواجهة حرب الإبادة والتصفية الجماعية.