خواطر الإمام الشعراوي ..النهى عن إعضال المرأة

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يستكمل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 225 من سورة البقرة فى قوله تعالى «لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو فى أَيْمَانِكُمْ» بقوله: المقصود به الحلف، والحلف من معانيه التقوية، وهى مأخوذة من الحِلْف، وهو أن يتحالف الناس على عمل ما. ونحن عندما نتحالف على عمل فنحن نقسِّم العمل بيننا، وعندما نفعل ذلك يسهل علينا جميعاً أن نفعله.

«لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو فى أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ والله غَفُورٌ حَلِيمٌ» والكسب عملية إرادية. لأنك ساعة تقسم بالله دون أن تقصد فهو لا يؤاخذك، وهذا دليل على أن الله واسع حليم. وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك: لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ» موضحا معنى يؤلون: أى يحلفون ألا يقربوا أزواجهن فى العملية المخصوصة، ويريد الرجل أحيانا أن يؤدب زوجته فيهجرها فى الفراش بلا يمين، وبدون أن يحلف. وبعض الناس لا يستطيعون أن يمتنعوا عن نسائهم من تلقاء أنفسهم، فيحلفون ألا يقربوهن حتى يكون اليمين مانعًا ومشجعًا له على ذلك. وكان هذا الأمر مألوفًا عند العرب قبل الإسلام.

كان الرجل يمتنع عن معاشرة زوجته فى الفراش أى فترة من الزمن يريدها، وبعضهم كان يحلف ألا يقرب زوجته زمنا محدداً، وقبل أن ينتهى هذا الزمن يحلف يمينا آخر ليزيد المدة فترة أخرى، وهكذا حتى أصبحت المسألة عملية إذلال للمرأة، وإعضالًا لها، وامتناعًا عن أداء حقها فى المعاشرة الزوجية. وكان ذلك إهداراً لحق الزوجة فى الاستمتاع بزوجها.

اقرأ أيضا| خواطر الأمام الشعراوي | عندما يكون الحنث باليمين مباحا

ويريد الحق سبحانه وتعالى أن ينهى هذه المسألة، وهو سبحانه لا ينهيها لحساب طرف على طرف، وإنما بعدل الخالق الحكيم الرحيم بعباده. وكان من الممكن أن يجرمها ويحرمها نهائيا ويمنع الناس منها. لكنه سبحانه عليم بخفايا وطبيعة النفوس البشرية، فقد ترى امرأة أن تستغل إقبال الرجل عليها، إما لجمال فيها أو لتوقد شهوة الرجل، فتحاول أن تستذله؛ لذلك أعطى الله للرجل الحق فى أن يمتنع عن زوجته أربعة أشهر، أما أكثر من ذلك فالمرأة لا تطيق أن يمتنع زوجها عنها. «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ» والإسلام يريد أن يبنى الحياة الزوجية على أساس واقعى لا على أفكار مجنحة ومجحفة لا تثبت أمام الواقع، فهو يعترف بالميول فيعليها ولكن لا يهدمها، ويعترف بالغرائز فلا يكتمها ولكن يضبطها.

وهناك فرق بين الضبط والكبت؛ فإن الكبت يترك الفرصة للداء ليستشرى خفيًا حتى يتفجر فى نوازع النفس الإنسانية تفجرا على غير ميعاد وبدون احتياط، لكن الانضباط يعترف بالغريزة ويعترف بالميول، ويحاول فقط أن يهديها ولا يهدمها. ويخضع البشر فى كل أعمالهم لهذه النظرية حتى فى صناعتهم، فالذين يصنعون المراجل البخارية مثلا يجعلون فى تلك المراجل التى يمكن أن يضغط فيها الغاز ضغطًا فيفجرها يجعلون لها متنفسًا حتى يمكن أن يخفف الضغط الزائد إن وجُد، وقد يصممون داخلها نظاما آليا لا يتدخل فيه العقل بل تحكم الآلة نفسها.

والحق سبحانه وتعالى وضع نظاما واضحا فى خلقه الذين خلقهم، وشرع لهم تكوين الأسرة على أساس سليم. وبنى الإسلام هذا النظام أولا على سلامة العقيدة ونصاعتها ووحدتها حتى لا تتوزع المؤثرات فى مكونات الأسرة، لذلك منع المسلم من أن يتزوج من مشركة، وحرم على المسلمة أن تتزوج مشركا. وبعد ذلك علمنا معنى الالتقاء الغريزى بين الزوجين. ولقد أراد الحق سبحانه وتعالى ألا يطلق العنان للغريزة فى كل زمان التواجد الزوجي، فجعل المحيض فترة يحرم فيها الجماع وقال: «فاعتزلوا النساء فِى المحيض» «البقرة: 222».

وهكذا يضبط الحق العلاقة الجنسية بين الزوجين ضبطا سليما نظيفا.

الحق سبحانه وتعالى يعلم أن النفس البشرية ذات أغيار؛ لأن الإنسان حادث له بداية ونهاية، وكل ما يكون حادثا لابد أن يطرأ عليه تغيير. فإذا ما التقى الرجل بالمرأة. كان لابد من أن يتحدد هذا اللقاء على ضوء من منهج الله؛ لأن اللقاء إن تم على منهج البشر وعواطفهم كان المصير إلى الفشل؛ لأن مناهج البشر متغيرة وموقوتة، ولذلك يجب أن يكون لقاء الرجل بالمرأة على ضوء معايير الله.