أخر الأخبار

رؤية

محمد ياسين يكتب: مدد يا أم هاشم

محمد ياسين
محمد ياسين

■ بقلم: محمد ياسين

كنت أذهب لجدتى صغيرا لأقضى إجازة الصيف عندها، كانت أحب أيامى هناك وقت المولد. تسكن جدتى فى حى السيدة زينب، قُرب المسجد فى أحد البيوت على الطرز القديمة جدا ذات السقف المرتفع ما يزيد على ثلاثة أمتار.

فى أيام المولد كانت تُنصب الخيام من محبى ومريدى رئيسة الديوان ستنا أم هاشم، يأتون من كل مكان فى مصر، وتصبح الشوارع والحارات الجانبية الملاصقة للمسجد والمقام محل إقامتهم المؤقتة، يفترشونها بكل حميمية وكأنها بيوتهم الحقيقية، ولا يهم إن كان الرصيف هو مكان الجلوس، ففى حضرة وحب «قمر بنى هاشم» يهون كل شيء، كنت أشاهدهم أسفل منزل جدتي، وتسرقنى من واقعى إلى عالم مسحور وغريب، حين كنت أشاهد حلقات الذكر التى يقيمونها يوميا، وأستمع لهمس قراءتهم للقرآن، كان ما يضايقنى أن جدتى كانت لا تسمح لى أكثر من أقف فى البلكونة ولا تسمح لى بالنزول فى الشارع، حيث تخشى عليّ من مغادرة المنزل خوفا من تعرضى السرقة!.

وعندما كانت جدتى ترسل أطباق الطعام مما نأكله فى المنزل لمحبى أم هاشم المقيمين فى خيامهم، كان المريدون يرسلون لنا أطباق الفول النابت والأرز باللبن وأكواب المغات، والأخيرة كانت رائحتها تشع فى جميع الشوارع، ولا أعرف لماذا بالتحديد كانوا يشربون المغات فى المولد!.

ومع منعى من النزول ولأنى كنت طفل «شقي» فقد كنت أتحين فرصة نزول خالى من المنزل إلى الشارع فأبدأ فى «الزن» والبكاء الذى لا ينتهى إلا مع نزولى معه إلى الشارع، فأجد مكافأتى فى أن أذهب للميدان، لأشاهد سوق المولد وما يباع فيه من ألعاب صغيرة مثل الحصان البلاستيك والأراجوز والحصالات المعدنية، والحمص، والحلوى، والحلاوة الشعر..

لقد كان دخول المسجد وقتها حلما مستحيلا، حيث يفترش المسجد محبو أم العواجز، الطامعون فى كرامتها فأشاهد الدراويش بعماماتهم الخضراء والسبح الكبيرة فى أياديهم وأعناقهم مع روائح المسك والبخور فى جنبات المسجد..

أم العواجز، أم هاشم تمد أهالى المنطقة بالمدد فتجد الحب يحاوط البيوت وكانت جدتى دائما ما تقول لى: «نحن فى حمى أم هاشم».