«غزة 2035».. خطة إسرائيلية خبيثة تفصل القطاع عن الضفة وتطيح بفكرة الدولة الفلسطينية

نتانياهو يدرس خطة لاحتلال غزة
نتانياهو يدرس خطة لاحتلال غزة

يوم الجمعة الماضى ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مسئولين كبارا فى مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو درسوا فى الأشهر الأخيرة خطة وضعها رجال الأعمال، ستدير إسرائيل بموجبها قطاع غزة مع دول عربية أخرى لعدة سنوات - حتى يمكن أن تنتقل السلطة إلى الفلسطينيين. وفى اليوم نفسه سارع موقع واينت العبرى بنشر الخطة الكاملة وأقسامها.

ظهرت الخطة التى يدور الحديث عنها تحت عنوان: «من الأزمة إلى الازدهار - خطة لتحويل قطاع غزة من العدوان الإيرانى إلى محور الاعتدال حتى 2035». وجاء فيها نصًا أن الهدف هو ازدهار غزة كجزء من البنية الإقليمية الإبراهيمية. وانها تمثل خطرًا باعتبار أن غزة موقع استيطانى إيرانى يعطل البنية الإقليمية المعتدلة، ويعطل سلاسل التوريد الناشئة من الهند عبر قطاع غزة إلى أوروبا، ويحبط أى أمل سياسى فلسطينى فى المستقبل! وأنها تحمل فرصًا لأنها ازدهرت فى الماضى باعتبارها ملتقى طرق بين طريقين تجاريين قديمين: الطريق البحرى (مصر-غزة-بابل)، وطريق العطور (الهند-اليمن-السعودية-أوروبا). ويمكنها العودة والازدهار فى وسط العمارة الإقليمية المعتدلة.»

اقرأ أيضًا| عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. نصر رمزى تحت تهديد الفيتو الأمريكى

مبدئيًا، وكجزء من الخطة، من المفترض أن تقوم إسرائيل بإنشاء مناطق آمنة وخالية من حماس فى قطاع غزة - أولاً فى الشمال، ثم فى وقت لاحق فى جميع أنحاء القطاع. ومن المفترض أن تشرف الدول العربية - السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين والأردن والمغرب - على المساعدات الإنسانية التى ستقدم فى المناطق الآمنة، وسيديرها الفلسطينيون من غزة تحت إشراف عربي. تستمر هذه المرحلة من البرنامج لمدة 12 شهرًا.

وفى المرحلة التالية، التى ستستمر ما بين خمس إلى عشر سنوات، تحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الشاملة عن الأمن، على أن تعمل الدول العربية على إنشاء هيئة متعددة الأطراف تتولى الإشراف على هيئة إعادة إعمار غزة وتوجيهها وتمويلها («هيئة إعادة التأهيل»)؛ ويتولى الفلسطينيون من غزة إدارة هيئة إعادة الإعمار، التى تتولى مسئولية إدارة المناطق الآمنة؛ وتنفيذ مبادرات لمكافحة التطرف،ومحاكاة لـ«خطة مارشال» الأمريكية لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والتى نجحت أيضًا- برأى أصحاب الخطة فى قمع الأيديولوجية النازية فى ألمانيا.. .اما على المدى الطويل، وبحسب خطة رجال الأعمال، ستحتفظ إسرائيل بحق العمل ضد التهديدات الأمنية فى قطاع غزة. وتقوم الدول العربية بنقل السلطة فى غزة إلى حكومة غزية أو حكومة فلسطينية موحدة؛ وجاء فى صحيفة نيويورك تايمز أن ذلك سيتم من خلال تصويت يقرر فيه سكان غزة ما إذا كانوا يقبلون ضمهم إلى السلطة الفلسطينية أم لا. وتنص الخطة على أن هذه المرحلة ستتم «شريطة أن تثبت السلطة الفلسطينية قدرتها على مكافحة التطرف ونزع السلاح، وبشرط موافقة جميع الأطراف».

وفى المرحلة النهائية من الخطة، سيدير الفلسطينيون قطاع غزة بشكل مستقل، وسينضمون إلى اتفاقيات إبراهيم. 

توقيت مريب
مع أن خطة « غزة 2035»  اكتملت فى شهر نوفمبر  الماضى ومودعة بمكتب نتانياهو منذ شهر ديسمبر، إلا أنه لم يتم تسريبها إلا فى نهاية الأسبوع الماضي، على الرغم من تأكيد الموقع العبرى على أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق عليها بين جميع الأطراف فى الوقت الحالي. من ثم يحمل توقيت تسريب الخبر فى صحيفة أمريكية موالية لإسرائيل، ونقل تفاصيلها على أحد المواقع الإسرائيلية، عدة دلالات وتلميحات، بأغراض خفية، ولاسيما أنه من غير المتوقع أن يدعم الجناح المتشدد فى الحكومة الإسرائيلية الخطة، نظرًا لأن الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير يدعوان منذ بداية الحرب إلى إعادة بناء المستوطنات فى القطاع واحتلاله بالكامل. وقد عزت صحيفة نيويورك تايمز امتناع نتانياهو عن الحديث عن الخطة علناً لهذا السبب، على الرغم من أن كبار المسئولين فى مكتبه يدرسون تنفيذ بعض بنوده على الأقل.

تحريض على الانقلاب
من الواضح أن تسريب هذه الخطة الآن كان لاستباق ما قد تسفر عنه المفاوضات الماراثونية لوقف الحرب وإنجاز صفقة الإفراج عن الرهائن، فلو تمت الصفقة سيحتاج السؤال الأمريكى عن استراتيجية إسرائيل لليوم التالى للحرب إلى إجابة. وفى ظن الدوائر التى سربت الخطة، أن الكشف عنها كفيل بإقناع واشنطن بالاندفاع نحو الدعم المطلق للحرب الصهيونية على غزة والإسراع فى إنهائها وهو هدف ملّح لدى إدارة بايدن فى عام الانتخابات الأمريكية، ليس بهدنة وإنما باستكمال تنفيذ أهدافها الإسرائيلية. يأتى هذا تحت ضغط الترويج الكثيف لاستعدادات الاقتحام البرى لرفح.

من ناحية أخرى يبدو نشر التفاصيل التى تقدم صورة مستقبلية لغزة، وكأنها ستصبح المدينة الفاضلة بعيدًا عن حكم حماس وسط مفاوضات وقف الحرب، وبعد ظهور تقديرات إسرائيلية بأن أهالى غزة متمسكون بحكم حماس ولم ينفضوا عنها، كنوع من الضغط النفسى على سكان القطاع، للتحريض على سلطة حماس وإغرائهم بالانقلاب عليها على أمل تحقيق الرخاء والرفاهية والاستقرار بديلًا عن المجاعة والتشريد والإبادة التى يعيشون فيها ويتعرضون لها بين الفينة والأخرى.

أغراض أخرى
تكشف تفاصيل الخطة الاقتصادية أطماع إسرائيل فى استغلال موارد قطاع غزة  «حقل الغاز وضمه إلى حقل تامار الإسرائيلى ليصبحا معًا مصدرًا للطاقة» بل والمتاجرة بها «الميناء كمنفذ بحرى يخدم دول «أوروبا»وكذلك موارد الدول المجاورة الطاقة الشمسية من سيناء»، واستخدام أموال دول الخليج فى إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مركز صناعى كبير ينتج السيارات الكهربائية باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية مقابل التطبيع مع السعودية بما يؤدى إلى مشاركة الدولة العبرية فى مشروع «نيوم» الكبير.. كل هذا تحت ستار  مفهوم «الكل كسبان».

ولا تخلو التفاصيل من شيطان  المضامين السياسية  التى تعكس ثوابت السياسة الإسرائيلية، بغياب أى ذكر للدولة الفلسطينية، والتعامل مع قطاع غزة باعتباره كيانًا منفصلًا، أقصى ما يمكن أن يحلم به هو حكم ذاتى بعد أكثر من عشر سنوات منزوع السيادة تحت هيمنة عسكرية إسرائيلية كاملة. كما لم تذكر التفاصيل أى كلمة عن مصير سكان غزة من النازحين، أو خطط عودتهم لبيوتهم ولا المدى الزمنى لإعادة إعمار القطاع.