هجرة المصريين لأوروبا لم تعد الحلم| شباب يصنعون مستقبلهم في القارة السمراء

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتبت: علا نافع

لم يعد حلم الهجرة لأوروبا يسيطر على عقول شبابنا، فقد تحولت وجهتهم صوب أفريقيا ، هذه القارة التى تزخر بالكثير من الخيرات وفرص العمل خاصة مع تحررها من قيود الاستعمار والتضييق الاقتصادى، كما أن القارة السمراء أصبحت وجهة الكثير من المستثمرين العرب والأوروبيين، فظهرت صفحات عدة على «فيسبوك» تروّج لميزات الهجرة إلى جنوب أفريقيا وكوت ديفوار ونيجيريا، ومنها الرواتب المجزية وبشاشة أهلها واتساع أراضيها الصالحة للزراعة وتوافر المياه العذبة، وبمرور الأيام تزايدت أعداد الجالية المصرية فى أفريقيا  حتى وصلت إلى 46 ألف مصرى حسب بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء.

◄ 46 ألف مصرى في دول أفريقيا  وأعداد الجاليات تتزايد

◄ فرص عمل برواتب مجزية تشجع الشباب على السفر

فور تخرج يوسف فى كلية الزراعة، حاول الحصول على فرصة عمل في بلدته الصغيرة بمحافظة دمياط، لكنه فشل، مما جعله يفكر فى الهجرة إلى إحدى دول أوروبا الشرقية وبعد مناقشات مع أحد أصدقائه اقترح عليه الهجرة إلى كوت ديفوار بدلا عن أوروبا شارحًا له أنها دولة ذات اقتصاد قوى يقوم على التعدين والزراعة، وتعج بالمسلمين، مما يسهِّل عليه التعايش والتأقلم معهم سريعا.

وبعد تفكير عميق قرر يوسف البحث عن فرصة عمل تناسب مؤهله الدراسى على صفحات الفيسبوك الخاصة بالجالية المصرية فى البلدان الأفريقية، وبالفعل استطاع الحصول على وظيفة عمل كمهندس زراعى فى واحدة من الشركات الزراعية الكبرى بكوت ديفوار، والتى منحته راتبا كبيرا ومقر إقامة مع إمكانية استقدام أسرته الصغيرة.

ومنذ اليوم الأول فى أبيدجان، إحدى أكبر المدن هناك، فوجئ بأعداد المصريين الكبيرة ما جعله يشعر بألفة وحميمية، كما وجد حسن تعاملاً من أهل الدولة فأغلبهم يعرف مصر عن ظهر قلب نظرًا لشهرتها الكروية الكبيرة وتواجد مشجعيها في كأس الأمم الأفريقية السابقة.

◄ حياة جديدة
لم يختلف حال محمود وجيه فقد قرّر تغيير مسار حياته وبدء فصل جديد منها فى واحدة من دول أفريقيا  بعد أن قام بدراسة وافية لأبرز دول القارة السمراء ذات الاقتصاد القوى، فعقد عزمه على الهجرة إلى جنوب أفريقيا خاصة أن مستوى الحياة بها لا يقل حالا عن أغنى دول أوروبا لكنها أقل تكلفة، إضافة إلى بنيتها التحتية القوية، وأماكنها السياحية الخلابة، وبالفعل نجح فى التواصل مع بعض أبناء الجالية المصرية هناك والذين شجعوه على فكرته بل وسهلوا له الحصول على فرصة عمل فى واحدة من الشركات الطبية الكبيرة، ولم يكتف بهجرته فقد اصطحب معه أسرته معلنًا بداية تأسيس جالية مصرية متواضعة بمدينة كيب تاون.

◄ اقرأ أيضًا | وزيرة الهجرة تبحث التعاون ودعم القطاع الصحي مع جمعية الصداقة المصرية الهولندية

◄ وجهة الشباب
أما سعيد نوح ذلك الشاب الذى تخرج فى كلية الهندسة، فقرر الخروج من عباءة الوظائف التقليدية فى مصر والبحث عن وظيفة بمدينة نيروبى فى كينيا، حيث إنها باتت تمتلك تكنولوجيا متطورة فى شرق أفريقيا  فضلا عن شهرتها فى مجالات الهندسة المختلفة والأهم كونها واحدة من أسرع الدول الأفريقية نموا فى الوقت الحالى بحسب رأيه، ورغم معارضة عائلته فى بداية الأمر لكنها قررت مساندته فى قراره الحاسم، وعكف على التواصل مع بعض الأسر المصرية الموجودة بالمدينة لمعرفة كيفية التعايش والتأقلم مع سكانها الأصليين، والصعوبات التى قد تواجهه فى بعض الأحيان، فجاءته الإجابات بأنها دولة بها العديد من عوامل الجذب خاصة فى مجالات الصناعة والتكنولوجيا فضلا عن طيبة أهلها والأحياء السكنية التى تعج بالشقق الفاخرة الملحقة بها مناطق خضراء واسعة بخلاف الرواتب المجزية.

ويعكف سعيد حاليا على إنهاء كافة أوراقة الرسمية واستخراج جواز سفره تمهيدًا لإرسالها لكبرى الشركات الهندسية والشركات العاملة فى مجال الطاقة للحصول على فرصة عمل مناسبة له والهجرة بشكل نهائي.

◄ تشجيع الفيسبوك
تعج مواقع التواصل الاجتماعي ومنها «فيسبوك» بالصفحات التى تشجع فكرة الهجرة لأفريقيا، خاصة الصفحات الرسمية لأبناء الجالية المصرية فى هذه الدول، ومنها صفحة الجالية المصرية فى جنوب أفريقيا ، ويصل عدد متابعيها لأكثر من عشرين ألفًا، ولا تتوقف الصفحة عن استقبال استفسارات الشباب الراغب فى الهجرة حول مدى توافر فرص العمل ومستوى المعيشة والأوضاع الأمنية وكيفية استخراج تأشيرة العمل. 

يقول «س.ن» أدمن الصفحة: زادت طلبات الهجرة للدول الأفريقية مؤخرا خاصة بعد أن تخلى الكثير من الشباب عن فكرة الهجرة لأوروبا وأمريكا بعد أحداث غزة الأخيرة فضلا عن زيادة نسبة البطالة وموجة الغلاء التى تعصف بتلك الدول، ناهيك عن تصدر الدول الأفريقية المشهد الاقتصادى مرة أخرة لحسن استغلالها لمواردها الاقتصادية وغناها بالثروات المعدنية المختلفة من نحاس ونفط، كذلك الموارد الطبيعية الأخرى من أراضٍ زراعية وغابات واسعة، مشيرًا إلى أن مملكة ليسوتو بجنوب أفريقيا  أصبحت تحتضن الكثير من رواد الأعمال المصريين بمجالات الطاقة ومشروعات التدوير المختلفة. 

وعن ميزات الحياة فى الدولة يشير إلى أن دخول الأفراد مرتفعة فقد وصل إجمالى دخل الفرد سنويا لأكثر من سبعة آلاف دولار، كما أن إيجارات الشقق السكنية فى مستوى العامل البسيط، وتتوافر السلع الأساسية بأسعار مناسبة، لافتًا إلى أن الجالية المصرية تعد من أكبر الجاليات على مستوى الدول الأفريقية، حيث يصل عددها إلى أكثر من 46 ألف مصرى ومن المتوقع أن تزداد الأعداد فى السنوات المقبلة.

◄ مدينة الذهب
أما على صفحة الجالية المصرية فى ساحل العاج «كوت ديفوار» فلم تختلف الحال عن غيرها من صفحات الجالية المصرية بدول أفريقيا ، فهناك العديد من الاستفسارات حول كيفية السفر ونوعية الأعمال المطلوبة هناك والموافقات الأمنية اللازمة لسهولة السفر وبالتواصل مع أدمن الصفحة الذى رفض الكشف عن اسمه يقول: زادت طلبات الهجرة والسفر للعمل بكوت ديفوار بعد أن سلط الإعلام الضوء عليها فى كأس الأمم الأفريقية الماضية فضلا عن التعاون المصرى معها فى مجالات مختلفة كمجالات الطاقة والنفط وكذلك المجالات الزراعية، لافتا إلى أن الدولة لها باع فى تلك المجالات مما جعلها تحجز مكانا متقدما بين دول أفريقيا  الناهضة. 

ويضيف: وهناك عائلات مصرية كانت تعيش منذ سنوات عدة فى الدولة سواء أكانوا خطباء أو علماء دين أو حتى عمالا مما جعل هناك تواجدا مصريا مقبولا شجع الكثيرين على الاستقرار هناك، مشيرا إلى أن الدخول مرتفعة خاصة للمهن العلمية كالأطباء والمهندسين فضلا عن العمالة المنتظمة.

◄ المستقبل القادم
تقول الدكتورة أمانى الطويل، مديرة البرنامج الإفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: أصبحت قارة أفريقيا  وجهة الكثير من الشباب الراغبين فى الهجرة نظرا لمواردها الاقتصادية المختلفة وانفتاح أسواقها الإستراتيجية مع كافة الدول العربية والأوروبية، والأهم اهتمامها بالمجالات التكنولوجية واحتضانها الكوادر العلمية المختلفة من أطباء ومهندسين وغيرهم ناهيك عن العمالة المختلفة من فنيين وعمال فى جميع الصناعات، مشيرة إلى أن جهود وزارتى الهجرة والخارجية المصرية فى دعم التعاون مع الدول الأفريقية طمأنت هؤلاء الشباب وشجعتهم لإتمام فرصة الهجرة.

وتضيف: وبالطبع فإن المؤتمرات الدولية التى تقيمها مصر بين آن وآخر والتى يحضرها مستثمرون أفارقة ورجال أعمال كشفوا النقاب عن الفرص الواعدة بدولهم سواء للشباب أو حتى الشركات الكبرى وهو ماجعل العديد من المؤسسات الإستثمارية المصرية تفتح لها أسواقا متنوعة هناك، مؤكدة أن حميمية الشعوب الأفريقية وتحدث بعضهم اللغة العربية أحد أسباب تشجع الشباب على الهجرة مقارنة بالدول الأوربية التى تعانى من العنصرية الفجة.

◄ تدفق ضعيف
أما الدكتور حمدى عرفة، الخبير فى شئون الهجرة فيقول: لا تزال الهجرة لأفريقيا  ضئيلة مقارنة بسيطرة فكرة الهجرة إلى الدول الأوروبية وأمريكا، فالتدفق المصرى هناك يعد تدفقا ضعيفا والدليل على ذلك أن أعداد الجاليات المصرية بالآلاف فقط على عكس الجاليات بالدول العربية والأوروبية إذ تقدر بالملايين، مشيرا إلى أن الاستثمارات المصرية واهتمام القيادة السياسية بريادتها فى أفريقيا  سوف يشجعان الشباب على الهجرة وفتح أسواق مصرية هناك . 

ويشير إلى أن وزارة الهجرة أطلقت فى عام 2022 مبادرة «صوت مصر فى أفريقيا»  بهدف استمرارية التواصل مع الجاليات المصرية فى أفريقيا ، والأهم تلقى طلباتهم وكافة مشكلاتهم والعمل على حلها فى أقرب فرصة.