الموقف السياسى

قوة الحكمة فى إقليم فقَد عقله

محمود بسيونى
محمود بسيونى

ما بين ضربة ورد.. انزلق الإقليم إلى صراع صفرى لا فائز فيه ولا مهزوم، الكل خاسر فى صراع المتشددين، القاسم المشترك بين طهران وتل أبيب أن كليهما وقع تحت تأثير الغلاة المتطرفين، اختفت لغة الحوار أو حتى الحرب بالوكالة، وأصبحت المواجهة مباشرة وجها لوجه لأول مرة منذ عام 1979 وهيمن على المشهد صراع الصواريخ والمسيرات، وأصبح المواطن العربى أمام حرب جديدة فى إقليم فقد عقله.

يشتعل الصراع فى ظروف اقتصادية صعبة وقاسية يمر بها العالم، تحد يضاف لتحد أساسى هو التضخم العالمى الناشئ عن ارتفاع أسعار الوقود، القلق ضرب أسواق البترول والعاصفة طالت الجميع، الكل منهك ويكافح فى محيط ملتهب بالصراعات.. المنطقة لم تشهد دقيقة من الهدوء منذ موجات الفوضى والانقسام، ووصول التمزق إلى الدول الكبرى والمحورية، وتراجع دور الدولة الوطنية الموحدة وظهور الميليشيات على المسرح السياسى.

عواصف معارك الهيمنة والنفوذ بين القوى العظمى نفذت إلى قلب الشرق الأوسط، الصراع الامبراطورى بين الولايات المتحدة والصين، وفى القلب منه الصراع الروسى الأوكرانى ودخول إيران على الخط بإمداد روسيا بالمسيرات فى مواجهة الجيش الأوكرانى المدعوم بالسلاح الأمريكى، التلاقى الروسى الإيرانى جعل روسيا حاضرة وبقوة فى صراعات إيران، فى الوقت الذى تحاول فيه الولايات المتحدة الانسحاب استدعتها إسرائيل مرة أخرى.

فى بداية الأسبوع الماضى كان الشرق الأوسط على موعد مع استعراض جديد للعنف بين قوات احتلال تقوم بجريمة إبادة جماعية تحميها ازدواجية معايير الغرب، وعلى الجانب الآخر طرف يتاجر بالقضية الفلسطينية من أجل بسط نفوذه الإقليمى، الاستعراض أعاد لإسرائيل التعاطف الدولى ودفع داعميها إلى التدخل العسكرى الصريح من أجل حمايتها، وأعاد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى واجهة المشهد السياسى بعد خلافه العلنى مع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، متجاوزا الحديث فى الأروقة الأمريكية عن نهايته السياسية بانهيار حكومته وتوقف البحث مؤقتا عن خليفته.

حضرت الولايات المتحدة لتنقذ إسرائيل من عثرتها، العين لا تخطئ ضغوط إدارة بايدن على حكومة نتنياهو المتطرفة، التطرف الإسرائيلى هو أصل كل الشرور، محاولة المتطرفين قتل حلم الدولة الفلسطينية بالمستوطنات والاستيلاء على القدس الشرقية وتهديد المسجد الأقصى أشعل النار فوق الأرض المقدسة وحولها إلى ملعب لكل التنظيمات المتطرفة على الجهة المقابلة وسالت دماء الطرفين على أقدس بقاع الأرض.

أى تدخل دولى لا ينتهى بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية محكوم عليه بالفشل، بل إن التلاعب بالعقول عبر الصحف الأمريكية وفى مقدمتها النيويورك تايمز وممارسة لعبتها الأثيرة فى الشرق الأوسط بقلب الحقائق والتلاعب فى التغطيات لصالح الرواية الإسرائيلية لن يجدى هذه المرة، فالقصف الإسرائيلى الوحشى طال الجميع فى غزة، فلسطينيين وأجانب، والتلاعب بالمصطلحات لن يجدى نفعا مع تقارير وثقت سقوط أكثر من 30 ألف شهيد منذ بداية العدوان الإسرائيلى.

وسط كل تلك التفاصيل المؤلمة والمؤسفة والجنونية فى أحيان كثيرة لم أسمع كلمة الأمل والسلام سوى على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال لقائه مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، لقد حذر الرئيس السيسى من نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتوالى سقوط الشهداء المتمسكين بأرضهم حتى اللحظة الأخيرة من حياتهم.

رفض الرئيس مشاهد التجويع والعقاب الجماعى ومحاولة إجبار الفلسطينيين على النزوح والتهجير القسرى، وانتقد عجز العدالة الدولية عن توفير حق الإنسان الفلسطينى فى الحياة، وهو الحق الأسمى والأعلى فى منظومة حقوق الإنسان التى يدَّعى الغرب دعمها وحمايتها.

اكد الرئيس السيسى دعوته لوقف فورى ومستدام لإطلاق النار والنفاذ الكامل والمستدام للمساعدات الإنسانية للقطاع، ونبه العالم إلى ان الحل الوحيد للأزمة هو الانخراط الجاد والفورى فى مسارات التوصل لحل سياسى عادل ومستدام للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والاعتراف الدولى بها، وحصولها على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.

ورفض الرئيس بشكل قاطع ترك مصائر شعوب المنطقة لإرادة دعاة الحروب، مشددا على أولوية الأمن العربى المشترك  الذى اعتبره كُلًّا لا يتجزأ.

وربط الرئيس بين ضرورة التخلى عن الحلول العسكرية وتصورات الغلبة والنفوذ والهيمنة، وفتح مسار بديل لشعوب ودول المنطقة من أجل التوحد لتحقيق الرخاء والتنمية للشعوب المنهكة التى طحنتها نتائج صراعات المنطقة.

كلمات الرئيس عكست قوة الحكمة فى الإقليم المضطرب ولخصت تحركات مصر من أجل وقف تصاعد الصراع عبر عدد من الخطوات هى:

مصر حذرت منذ اليوم الأول من نتيجة المغامرات العسكرية غير المحسوبة فى المنطقة، وأن غياب الحلول السلمية للصراع العربى الإسرائيلى فتح المجال أمام قوى عديدة للتلاعب بالملف الفلسطينى، وأطلقت مؤتمر القاهرة للسلام بحثا عن توحيد الجهود الدولية لوقف الصراع.

  تحركات مصر انطلقت من نقطة علاقتها المميزة مع كل الأطراف الإقليمية والدولية واستثمار تلك العلاقات من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.

انخرطت مصر فى مفاوضات متعددة الأطراف من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية، ونجحت فى نوفمبر الماضى لكنها  -مع الأسف - انهارت تحت ضغط تشدد الطرفين.

أدركت مصر منذ اللحظة الأولى خطورة اتساع الصراع وتأثيره السلبى المباشر على الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وتحقق ذلك بتوالى هجمات الحوثى على مضيق باب المندب.

  لعبت مصر الدور الرئيسى فى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، سواء من معبر رفح الذى لم يغلق مطلقًا طوال الأزمة أو إسقاط المساعدات عن طريق الجو، بالتنسيق مع الأطراف الأخرى.

لم تمنع معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل القيادة المصرية من توجيه انتقادات إلى الجانب الإسرائيلى، وإعلان رفضها القاطع لجرائم الحرب والتهجير القسرى، والتمسك برفض كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية.

  عقب التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران تواصلت مصر مع الطرفين، ودعت إلى الهدوء وضبط النفس، منعا للتصعيد ودعت الولايات المتحدة إلى التدخل، وطالبت مجلس الأمن الدولى بالقيام بدوره لوقف النزاع.

فى تقديرى أن الحل الوحيد أمام العالم هو الاستماع إلى صوت القاهرة ، وأنه إذا استمر التصعيد فالكل خاسر.. وتأكد لدى أن الأمن والاستقرار والاعتدال هى السلع الأهم التى تصدرها مصر إلى الإقليم الذى أشعله المتطرفون دون قدرة على اطفائه.