نحن والعالم

الوقت المناسب

ريهاب عبدالوهاب
ريهاب عبدالوهاب

إحدى الأحجيات التى تطرحها حرب غزة، غياب التأثير الروسى والصينى. فرغم معارضة الدولتين لاستمرار الحرب ووقوفهما فى الجانب المعارض لأمريكا على طاولة مجلس الأمن، إلّا ان مواقفهما لم تترجم لتحركات مؤثرة تعكس ثقل البلدين ونفوذهما. غياب هذا التأثير سببه ليس افتقاد الدولتين الكبيرتين لآليات ضاغطة تساعد فى إنهاء الحرب وتمهيد الطريق لأفق سياسى، ولكن ربما للمكاسب التى يحققها لهم استمرار هذه الأوضاع. فروسيا مثلاً مستفيدة من تشتيت انتباه العالم عن حربها فى أوكرانيا، ومن توجيه أمريكا بوصلة دعمها المالى والعسكرى نحو إسرائيل، ما يلقى بثقل فاتورة دعم أوكرانيا على كاهل الدول الغربية التى بدأت تئن. الصين أيضاً تستفيد من تشتيت حرب غزة انتباه واشنطن عن منطقة نفودها فى المحيطين الهندى والهادئ، ما يمنحها مساحة للتنفس ووقتاً للاستعداد لمنافسة أكبر مع امريكا وربما مواجهة بسبب تايوان. كذلك فإن حرص الدولتين على الاحتفاظ بمواقف متوازنة نسبياً من كل أطراف الصراع يساعد موسكو على إبقاء إسرائيل على حيادها إزاء الحرب الأوكرانية ويؤهل بكين لإزاحة واشنطن من على كرسى الوساطة وتقديم نفسها كوسيط أكثر نزاهة وتأثيراً، خاصة مع قدرتها على الضغط على إيران للحد من توسع الحرب فى الإقليم. أضف لهذا تعطيل الحرب لمشروع «الممر الاقتصادى بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا» الذى تدعمه واشنطن والاتحاد الأوروبى والذى يقلق موسكو وبكين لأنه يهدد «مبادرة الحزام والطريق» ومشروع ممر النقل الدولى الذى يمتد من موانئ البلطيق الروسية إلى جنوب إيران. وأخيراً تستفيد الدولتان من حالة السّخط الشعبوى والدولى على واشنطن، بسبب دعمها الأعمى إسرائيل، لتعزيز صورتهما، وإظهار فشل وازدواجية معايير أمريكا والنظام الدولى الذى تقوده. والحقيقة انه لا توجد ظروف دولية أفضل مما يحدث الآن لخدمة المشروع الذى تتبناه موسكو وبكين لإنهاء هيمنة الغرب على اتخاذ القرار العالمى والانتقال من عالم الأحادية القطبية إلى نظام دولى جديد متعدد الأقطاب، وهو ما يتضح ضرورته للعالم أجمع مع كل «فيتو» تستخدمه أمريكا لحماية إسرائيل وعرقلة إنهاء الحرب واستباحة المزيد من الدماء الفلسطينية.