نوبة صحيان

مسيرة تحرر

أحمد السرساوى
أحمد السرساوى

أمضيت 3 أمسيات ممتعة، التهمتُ خلالها أحدث «مذكرات سياسية» صدرت بالعالم العربى للسياسى البارع، والحقوقى المرموق، والمثقف النابه، والمناضل ورجل المخابرات والوزير السابق، الأستاذ محمد فايق، من اصدار مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت.

تحمل المذكرات عنوان «مسيرة تحرر»، وتعنى فى تقديرى معنيين.. تحرره هو من قيود اعتقال عن تهمة لم يرتكبها ودفع ثمنها هو وعائلته 10 سنوات من شبابه، فيبدأ صفحاتها الأولى بإهداء أو اعتذار رقيق ومؤثر كتبه لوالديه وللسيدة حرمه وولديه قائلا: «إلى والديَّ اللذين رحلا بعد اعتقالى بأيام قليلة دون أن أراهما (تم الاعتقال 1971)، وإلى ولديَّ هشام ومنى فايق اللذين تركتهما يقضيان طفولتهما وأنا سجين بعيدا منهما..».

ويأتى بالتوازى مع ذلك.. دوره الضخم فى تحرر أمتنا وقارتنا من نير مستعمر اغتصب خيراتها، والأهم تحرر مصر نفسها.. هى إذن مذكرات شخصية، ممزوجة بمشوار طويل قطعه الرجل فى افريقيا (30 مليون كيلومتر مربع)، جابها بكل أنحائها، داس غاباتها وصحاريها، وعبر أنهارها. عرف ناسها وعرفوه قبيلة قبيلة، زارهم فى مساكنهم، وزاروه فى بيته بالقاهرة، وارتبط بغالبية زعمائها السياسيين، وقادة حركات التحرر، فأضحت افريقيا 54 دولة مُحررة.

لذلك أنا كقارئ اكتشفت بعد انتهائى من قراءة المذكرات (354 صفحة من القطع المتوسط) أنها لم تُكتب حبرا بقدر ما كانت دموعا بالقلب وعرقا، وسهرا وصهرا للأعصاب، وأهوالا عاشها الرجل، والصعوبة فيها أنها كُتبت بعدما قال الجميع كلمته، ليس فى مصر فقط، ولكن فى إفريقيا أيضا، فكانت تفنيدا لما قيل فاكتسبت المذكرات مصداقية وأمانة خاصة، أنها درس لنا جميعا لكى نتحرر.

يقول د.أحمد يوسف أستاذ وفقيه العلوم السياسية فى مصر والعالم العربي، فى ختام المقدمة الراقية التى تصدرت المذكرات: «كتب هذا المناضل الفذ مذكراته لتكون تسجيلا أمينا صادقا لعطائه لوطنه مصر وقارته الإفريقية وأمته العربية، وسوف تكون وثيقة بالغة الأهمية على مرحلة اضطلع فيها صاحبها بأدوار تاريخية حقق من خلالها انجازات لا يمكن أن تُمحى».