آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: الرحمن على العرش استوى

حامد عز الدين
حامد عز الدين

لم يرد في القرآن الكريم ذكر لأيام الأسبوع إلا يومين فقط وهما الجمعة والسبت. بل إن يوم الجمعة هو اسم لإحدى سور القرآن الكريم وفي الآية التاسعة منها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» . أما لفظة السبت فوردت في القرآن الكريم ست مرات. اعتبارا من الآية رقم 65 من سورة البقرة : «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ»، والآية 47 من سورة النساء: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا» . والآية 154 من النساء: «وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» . والآية 163 من الأعراف: «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» . وفي الآية 124 من النحل: «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ». وأخيرًا الآية 47 من سورة النساء: «أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ». 

ويبدو سر عدم ورود باقي أيام الأسبوع في القرآن الكريم، منوطًا بإعجاز القرآن الكريم الذي لا يوجد فيه حرف زائد أو كلمة يمكن فهم معناها دون ذكرها مادامت ستفهم من السياق. فالمولى سبحانه وتعالى قال في قرآنه إنه خلق الكون في ستة أيام، إذن فاليوم الأول بصفته هو الأحد، والثاني من صفته الإثنين، والثالث من صفته الثلاثاء، والرابع من صفته الأربعاء ثم الخامس وصفته الخميس . وهو ما عرفناه ببساطة ودون جهد.

أما يوما الجمعة والسبت ففيهما معانٍ أخرى مختلفة عن العدد والمعدود تستحق أن نتوقف عندها ولذلك كان لابد من وجودهما في القرآن الكريم. فاليوم السادس وهو الْجُمُعَةِ، ولاحظ كيف جاءت الجيم مضمومة والميم مضمومة بعدها، لأنه اليوم الذي جمعت واكتملت فيه للكون كل مكوناته.

وأفضل هنا للتبسيط شرح كيفية صناعة جهاز كمبيوتر (الحاسب الآلي) فالماكينات تصنع جسم الجهاز وماكينات تصنع الشاشة وماكينات تصنع الكيبورد بأزراره وماكينات تصنع الأسلاك والموصلات وأشابه الموصلات، وبنظام دقيق يتم تركيب كل جزء من الأجزاء حتى يكتمل لجهاز الكمبيوتر كل مكوناته. وبعدها يصبح الباقي لاختبار الجهاز وما إذا كان قادرًا على العمل وإنفاذ كل الأوامر التي تصل إليه شيئاً واحداً هو توصيل الطاقة الكهربائية. فتضيء شاشة الكمبيوتر - إيذانا بوصول الطاقة- وتتفاعل كل مكوناته ويصبح قادرًا على الكتابة والقراءة والتصوير والقيام بالعمليات الحسابية والهندسية المعقدة.

فهذه الطاقة هي التي ستمنح الكمبيوتر- بكل مكوناته المعقدة- القدرة على تنفيذ ما يكلف به من أوامر متعددة على خير وجه. ونعود إلى موضوعنا وهو خلق الكون أي خلق السموات والأرض مجددًا، وما الذي أنجزه المولى سبحانه وتعالى في الستة أيام التي بدأت بالأحد وانتهت بيوم الجمعة التي جمعت فيه للكون كل مكوناته التي فصلها المولى في سورة فصلت، يقول تعالي: «قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ > وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ > ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين > فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ». 

وهذه الأيام الاثنان اللذان خلق الله فيهما الأرض، والاثنان اللذان خلق فيهما الرواسي وقدر فيهما الأقوات وأحل فيهما البركة فتمت بهما الأيام الأربعة، هي بلا شك أيام من أيام الله التي يعلم هو مداها، وليست من أيام هذه الأرض التي تحسب طبقًا لزمن دوران الأرض حول الشمس، أما الأيام التي خلقت فيها الأرض أولاً، ثم تكونت فيها الجبال، وقدرت فيها الأقوات، هي أيام أخرى مقيسة بمقياس آخر لا نعلمه، ولكننا نعرف أنه أطول بكثير من أيام الأرض المعروفة وأقرب ما نستطيع تصوره وفق ما وصل إليه علمنا البشري أنها الأزمان التي مرت بها الأرض طوراً بعد طور، حتى استقرت وصلبت قشرتها، وأصبحت صالحة للحياة التي نعلمها، وهذه قد استغرقت فيما تقول النظريات التي بين أيدينا نحو ألفي مليون سنة من سنوات أرضنا. 

المهم هنا أن هذا الكون بعد ما اكتملت كل مكوناته، كان في حاجة إلى اختبار تشغيل لمعرفة كفاءة كل هذه المكونات من أراضِ سبع وسماوات سبع ورواسٍ وأنهار على القيام بوظائفها التي خلقت من أجلها. أي أنها كانت في حاجة إلى الطاقة العظمى التي تكفي لتشغيل وعمل كل هذه المكونات، وهو ما جرى - من وجهة نظري - في اليوم السابع بمجرد أن نفخ الله سبحانه وتعالى من روحه فمنح الكون الطاقة التي أعقبها سريان الحياة فتكون الهواء وسرى الماء في البحار والأنهار وبدأ دوران النجوم في السماء، وظهور كل مظاهر تشكل الحياة، وهنا كان السبت بعد الجمعة، أي راحة الفرح بإنجاز عظيم كما ورد في قاموس مقاييس اللغة («سبت» السين والباء والتاء أصل واحد يدل على راحة وسكون). فالمولى سبحانه فرغ من الخلق أرضًا وسماء وجبالًا وأوتادًا وغيرها يوم الجمعة يوم اكتملت للكون كل مكوناته.

فالرقم سبعة يعني بوضوح - كما سنرى في الأسبوع المقبل - التمام والاكتمال والقدرة على إيجاد أرواح جديدة. ولننظر إلى مجموع حروف أرض+ سماء باللغة العربية .. المجموع هو سبعة أحرف. وأيضا نفس العدد باللغة الإنجليزية. وكذلك مجموع حروف آدم وحواء باللغتين العربية والإنجليزية، سنجدها سبعة حروف وغيرها كثير نتناوله في الأسبوع المقبل، إن كان في العمر بقية.