20 مليار دولار استثمارات كويتية مباشرة في مصر و100 اتفاقية تعاون

الكويت تحيي أيامها الوطنية وتواصل تعزيز تعاونها مع مصر

أمير الكويت
أمير الكويت

تحيى دولة الكويت الشقيقة هذه الأيام ذكريات طيبة فى تاريخها فى مقدمتها العيد الوطنى الثالث والستون والذكرى الثالثة والثلاثون للتحرير فى ظل أجواء مفعمة بالأمل والتفاؤل، وعهد يتجدد فى مسيرة ممتدة وراسخة عاشتها الكويت جيلا بعد جيل..

وتوفر هذه المناسبات فرصة للوقوف على عدد من المحطات التى ارتبطت بالعلاقات الأخوية المتميزة بين مصر والكويت وما ينتظرها من مستقبل مشرق تسعى إليه قيادتا البلدين وتعملان معا على أن يأتى امتدادا لتاريخ عريق وحافل يستحق أن تعرفه الأجيال التى لم تعايش هذه المحطات المشرقة.

 حرص مشترك من قيادتى البلدين على توفير فرص النمو والازدهار لمسيرة التعاون 

مواقف إيجابية فى تاريخ العلاقات الثنائية تجسد معانى التعاون الحقيقى بين الأشقاء

وإذا أردنا أن نتعرف على آفاق المستقبل فلا بد من إطلالة سريعة على الماضى، فالتاريخ يكشف عن اتفاق تام بين البلدين على المستوى الرسمى والشعبى وعلى مستوى النخبة أيضا، ويؤكد أن العلاقات الثنائية تتسم بخصائص مميزة تستند على عمق الترابط الاستراتيجى بينهما وإدراك كل طرف لأهمية الطرف الآخر، فما يحدث فى الكويت يؤثر فى مصر وما يحدث فى مصر يجد صداه على الفور فى الكويت، وهى حقيقة لا تتطلب أى برهان، ويكفى للتدليل عليها العودة للسلوك التصويتى للبلدين فى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وغيرها من المنتديات الإقليمية للتيقن من الاتفاق التام فى المواقف والتوجهات حيال كافة القضايا المطروحة.
وقد لا يعرف البعض أن أول اتصال بين البلدين بدأ فى عهد مؤسس مصر الحديثة محمد على والشيخ جابر الأول أمير الكويت عام 1838، عندما استضافت الكويت موفدا مصريا لتوفير الإمدادات اللوجستية للقوات المصرية فى شبه الجزيرة، واستمرت الاتصالات منذ ذلك الوقت على المستوى الشعبى قبل أن تبدأ على المستوى الرسمى حينما سافر طلاب العلم الكويتيون للدراسة فى الأزهر الشريف والجامعات الأخرى، وانخرطوا فى الحياة المصرية ثم عادوا لنشر العلم فى الكويت ومنهم الشيخ محمد الفارسى والشيخ مساعد العازمي.

وفى المقابل زار المفكر التنويرى الشيخ محمد رشيد رضا دولة الكويت فى عام 1913 حيث استقبل بحفاوة بالغة، وعاد إلى مصر لكى ينشر سلسلة مقالات فى مجلته المنار عبر فيها عن انطباعاته الإيجابية عما شاهده فى الكويت وكيف تفاعل مع شعبها آنذاك، وفى عام 1924 كان نادى الأدب الكويتى يطالع الصحف المصرية ويستضيف كتابها ويناقش الحياة السياسية فى مصر ويتفاعل بشكل كبير مع المشهد السياسى المصري، وتحولت القاهرة إلى قبلة ثقافية وتعليمية لكافة الأسر الكويتية، واستمر التواصل قائما ليسجل محطة مهمة عام 1961 بالتزامن مع استكمال استقلال الكويت، وهو محطة شكلت منطلقا جديدا لعلاقة استراتيجية تضاف إلى طبيعتها الشعبية الأخوية، وتكررت مثل هذه المحطات مرارا فى مسيرة العلاقات الثنائية بدءا من العدوان الثلاثى 1956 إلى نكسة 1967، وصولا إلى انتصارات أكتوبر 1973 المجيدة التى شاركت فيها الكويت بقوة على كافة الأصعدة، العسكرية عبر لواء اليرموك المدرع، والسياسية عبر الدعم المتواصل فى المنتديات الدولية، والاقتصادية من خلال قيادة جهود حظر تصدير النفط للدول المؤيدة للعدوان، ثم كانت المحطة الكبرى ممثلة بالوقفة التاريخية الصلبة لمصر فى مواجهة احتلال غاشم وتهديد وجودى للكويت عام 1990.

ثم جاءت الدفعة الخاصة التى اكتسبتها علاقات البلدين عقب ثورة 2011 ومساندة الكويت لخيارات الشعب المصرى وأعقبها وقفة قوية: سياسية واقتصادية بعد ثورة 2013، لتشهد العلاقات دفعة إضافية تخللتها محطات مهمة وزيارات رسمية على كافة المستويات كان آخرها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للكويت فى ديسمبر الماضى لتقديم واجب العزاء فى وفاة المغفور له الشيخ نواف الأحمد «طيب الله ثراه» ولتكون علامة جديدة على رسوخ وتطور هذه العلاقات.

شراكة استراتيجية
دائما ما كانت الكويت تنظر إلى مصر باعتبارها أخا وشقيقا أكبر وقلب الوطن العربى النابض، ويحرص البلدان على وصف العلاقات بينهما بأنها علاقة بين شريكين استراتيجيين، بما يعنى مشاركة متعددة الأبعاد منها السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، ومنها المشاركات الرسمية وغير الرسمية على المستوى الشعبي، وهى علاقات قامت على أسس مكنتها من تجاوز كافة التحديات لتصبح راسخة فى الجذور الدبلوماسية، وبالتالى فإن استقرار وازدهار مصر يصب تلقائيا فى صالح الكويت، ودائما ما كانت مصر حاضرة بمكانتها ودورها ليس فى الكويت وحدها ولكن فى منطقة الخليج والوطن العربى قاطبة، وكانت توظف استقرارها وتطورها لصالح القضايا العربية.. وبالنسبة لأبناء الكويت الأشقاء فإنهم يذكرون بكل الخير وقفة مصر عام 1961 عندما تصدت لأطماع حاكم العراق عبد الكريم قاسم من خلال الوقفة الصلبة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كما يذكرون وقفتها الحاسمة عام 1990 عندما تصدت لغزو صدام حسين وشاركت قواتها المسلحة فى عمليات التحرير عام 1991، وكانت هذه مجرد علامات فى سلسلة متصلة ومتبادلة من التعاون المشترك، لا تزال مستمرة فى الحاضر والمستقبل، كل هذا يجعل الدور المصرى قائما ومطلوبا ومرحبا به دائما ليس فيما يتعلق بأمن منطقة الخليج وحدها بل فى سائر أرجاء الوطن العربى، وهو ما يؤكد عليه المسئولون فى البلدين من أن أمن الكويت والخليج مسألة مهمة لمصر ومرتبطة بشكل مباشر بالأمن القومى لمصر والعكس صحيح.

تدفق استثمارى
تؤمن الكويت أن التضامن الحقيقى بين الأشقاء يقوم على معانى التساند والتوظيف للقدرات والموارد بما يخدم التنمية المشتركة، ويسهم فى تطوير مقدرات الشعوب الشقيقة، ولأن الله قد حبا الكويت بثروة نفطية فقد بادرت بتبنى عدد من مشروعات وبرامج الدعم للدول الشقيقة، وكان القرار بإنشاء الصندوق الكويتى للتنمية العربية عام 1961، والذى تزامن مع استكمال الكويت لاستقلالها معبرا عن هذا التوجه ومجسدا له.. وفى ضوء ذلك فإن الدعم الكويتى لمصر لم يتوقف طوال العقود الماضية، والتعاون بينهما قائم على قدم وساق عبر ما يزيد على 100 اتفاقية مشتركة تربط بين مصر والكويت فى مختلف المجالات، إلى جانب استثمارات وبرامج تنموية، وتنظر الكويت للعلاقات الاقتصادية على أنها علاقات متطورة وتحظى بنفس القدر من الأهمية الذى تتمتع به العلاقات السياسية، حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة الاستثمارات الكويتية فى مصر تبلغ نحو 25 % من حجم الاستثمارات العربية فى مصر، وهناك نحو 1300 شركة كويتية تعمل بمصر فى مجالات مختلفة ومتنوعة بشكل يعكس تطور القدرات الكويتية فى قطاعات عديدة، كما زادت الاستثمارات الكويتية المباشرة فى السوق المصرية فى السنوات الأخيرة ليسجل إجمالى حجم الاستثمارات الكويتية فى مصر نحو 20 مليار دولار وفق تقديرات القطاع الخاص الكويتي، وهناك ترتيبات لإعطاء دفعة جديدة فى هذا الصدد سوف تظهر آثارها خلال الفترة المقبلة، علما بأن الاستثمارات الخارجية الكويتية فى مصر تتجه عادة نحو مشاريع وقطاعات رئيسية تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة والاقتصادية فى مصر.

تحويلات المصريين
ويواكب ذلك نمو فى حجم التبادل التجارى بين مصر والكويت رغم كل المعوقات التى نجمت عن التطورات الإقليمية والدولية فى الآونة الأخيرة وبلغ هذا التبادل أعلى مستوياته قبل هذه التطورات مسجلا نحو 3 مليارات دولار، وهناك إمكانية خلال المرحلة المقبلة على المدى المتوسط والبعيد لتحقيق زيادة إلى مستوى أعلى، علاوة على ذلك تفتح الكويت أبوابها للكوادر المصرية وهو نوع آخر من التعاون الاقتصادى والدعم غير المباشر للاقتصاد المصرى حيث تعد الجالية المصرية الجالية العربية الأولى فى الكويت، وفى المقابل هناك جالية كويتية فى مصر من الدارسين فى الجامعات المصرية فضلا عن المستثمرين وأصحاب الأعمال، وتزيد قيمة إنفاقهم على مليار دولار سنويا، وكلها ملامح تؤكد الاهتمام الرسمى والشعبى الكبير بتطوير العلاقات الثنائية فى مجال الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، ويؤكد المسئولون فى الكويت سعيهم لمزيد من التعاون وترحيبهم بتواجد الشركات المصرية فى الكويت التى تقوم بعضها بتنفيذ بعض المشاريع حيث يتميز الاقتصاد الكويتى بتعدد الفرص والانفتاح على كافة الاستثمارات الخارجية.

ترحيب بالدور المحورى لمصر
تؤمن الكويت أن مصر لا يمكن أن تغيب عن دورها العربى والإقليمى مهما كانت الظروف والتحديات، باعتبار أنه دور مطلوب ومرحب به لأن قوة مصر قوة للعرب وقوة العرب هى بالتأكيد إضافة لقوة مصر، وهذه القاعدة محورية فى مسيرة العمل العربى المشترك منذ إنشاء جامعة الدول العربية، وعندما شهدت مصر تطورات داخلية حالت دون أداء هذا الدور عام 2011، احترمت الكويت الإرادة الشعبية فى مصر، وكان موقفها المعلن أنها تساند خيارات الشعب المصري، وأصدرت الحكومة الكويتية بيانا أكدت فيه دعمها للخطوات الإيجابية للشعب المصرى وللحكومة المصرية على طريق ترسيخ دعائم الديمقراطية، تلا ذلك الإعلان فى يوليو 2013 عن تقديم حزمة مساعدات اقتصادية عاجلة لمصر بقيمة 4 مليارات دولار، وأعقبتها بعدد من الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، إضافة إلى سلسلة من صور الدعم الاقتصادى التى تؤكد مساندة الكويت التامة والمستمرة لمصر.

وتتواصل مسيرة الأخوة والبناء والتعاون بين البلدين الشقيقين محققة المزيد من التقارب فى سائر المجالات فى ظل حرص مشترك من القيادتين الرشيدتين الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسى على توفير كل فرص النمو لهذه المسيرة لتزداد قوة ورسوخا.