متى يعلنون وفاة الحركة المدنية؟

صورة موضوعية
صورة موضوعية

 كتب: محمود بسيوني 

للشاعر الكبير نزار قباني قصيدة سياسية شهيرة بعنوان «متى يعلنون وفاة العرب»، تحدث فيها بيأس عن ضعف العرب وتشرذمهم وغرقهم فى صراعاتهم الداخلية واكتفائهم بالخطابات الزاعقة داعيا لإنهاء الحديث عنهم بإعلان وفاتهم.

لعنوان القصيدة بريق خاص وقوى الدلالة على حالة معاصرة لتجمع سياسى مصرى احتفظ بكل أمراض السياسة المصرية والميراث الثقيل لتجربة سياسية مشوهة نجحت فى إثارة الجدل ولم تنجح ولو مرة واحدة فى اجتذاب المصريين الى صناديق الاقتراع لانتخابهم.

خليط عجيب يجمع الليبرالي والناصري واليساري، رجل البيزنس مع الناشط الحقوقي ثم أطلقوا على أنفسهم «الحركة المدنية» فى محاولة للتمييز عن باقي الأحزاب السياسية، والحديث باسم المعارضة السياسية، والحقيقة ان أغلب تحركاتهم وتصريحاتهم لم تكن في خدمة السياسة المصرية ولم تمثل المعارضة بقدر ما كانت داعمة ومساندة بطرف خفى لتنظيم الإخوان الإرهابي.

لا خلاف على ان العمل السياسي المصري يعاني تشوهات عديدة، اخطرها على الإطلاق هو حديث غير المنتخبين فى السياسة وفرض نفسهم بقوة الإعلام الغربى والإخوانى الموجه ضد الدولة المصرية، والهدف هو تعطيل مسار الإصلاح وتأزيم العمل السياسي وفرض أجندات سياسية معنية على صانع القرار لا تخدم فى النهاية سوى مصالح تنظيم إرهابى دينى احتكر السياسة وبايعه قيادات الحركة المدنية على السمع والطاعة.

فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تتفق الحركة المدنية على مرشح يمثلها لأنها تدرك جيداً أنها لا تمتلك أي أدوات تأثير على الشارع وأن النتيجة ستكون فاضحة لها امام محركيها، حاولت إخفاء هشاشتها السياسية بالاختباء وراء البيانات ومؤتمرات البث المباشر على صفحات التواصل الاجتماعي والتي لا يتعدى متابعوها أصابع اليد الواحدة بينهم رئيس الحركة والباقي من خارج مصر.

وحينما تقدم للترشح فريد زهران رئيس الحزب الديمقراطى الاجتماعي وأحد اقطاب الحركة السابقة زايدت عليه الحركة ثم قررت دعم مرشح آخر وهو احمد طنطاوى وهو مدعوم علناً من أذرع الجماعة الإرهابية الإعلامية فى الخارج، وحينما اقتربت لحظة الحقيقة ولم يتمكن من استكمال أوراق الترشح ثم ظهور أدلة قوية على تزوير أوراق ترشحه عادت الحركة مرة أخرى لمربع البيانات النارية لإخفاء أزمتها بالمزايدة على العملية الديمقراطية ونتائجها.

راهنت الحركة على بقايا الجماعة الإرهابية فى إنجاح طنطاوي واستغلت بانتهازية شديدة الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها السلبي على المواطن المصري وارتفاع التضخم بالتزامن مع اشتعال الجوار الجغرافى بحرب فى السودان وغزة فى دعم مرشح الجماعة الإرهابية، وفى تقديرى كان الرهان هو نفس رهان الجمعية الوطنية للتغيير على الجماعة الإرهابية فى يناير 2011، حيث تصورت أن تحالفها مع الإخوان ومبايعة مرشحها فى فندق فيرمونت قد يقودها الى مقاعد البرلمان ومشاركة الجماعة فى الحكم الى ان وصل التنظيم الإرهابى الى قصر الرئاسة لينقلب عليهم جميعاً ويبدأ سيناريو أخونة المجال العام وانهاء خدمات الفرع المدنى من الجماعة.

نوايا الحركة الخبيثة
الدليل الآخر على نوايا قيادات الحركة الخبيثة هو موقفها الغريب من الدعوة للحوار الوطنى ومحاولتها فرض شروطها على الحوار وإما الاستجابة او التشويه، وكان السؤال ما هى القوة النسبية لهم فى الشارع او حتى داخل احزابهم، وما هو تأثير الاستجابة لهم على مخرجات الحوار وكانت النتيجة أن الامر كله عبارة عن رفع سقف للمطالب بينما الهدف الأساسى هو التفاوض على المشاركة السياسية والحزبية فى البرلمان القادم.

ورغم حديثهم عن تردى الوضع الاقتصادى روجوا لأولوية المحور السياسى على الاقتصادى، ورغم ذلك كان قرار مجلس أمناء الحوار الوطنى بالتوافق أن يكون المحور الأول هو السياسى من باب الديمقراطية وضاعت عليهم فرصة المزايدة بعدما طرح الحوار كل القضايا الشائكة وتحدث فيه كل التيارات بحرية وتوافق على قرارات مهمة تم رفعها لرئيس الجمهورية.

يمكن احتمال الانتهازية السياسية للحركة المدنية في الشئون الداخلية، فهو فلكلور محفوظ تعودت عليه الحياة السياسية المصرية منذ ظهور قيادات الحركة فى السبعينيات من القرن الماضى، لكن ان تتحول الانتهازية الى المزايدة على الدور المصري في الأزمة الفلسطينية، الذي نال رضا شعبياً واسعا وداعما لتحركات الدولة المصرية المتزنة والمحسوبة بدقة للمحافظة على الحق الفلسطينى وعدم توسيع الصراع حتى لا يتحول الى حرب إقليمية مدمرة تقضى على الأخضر واليابس فى ظل انحياز أمريكى سافر للجانب الإسرائيلى وتواطؤ دولى لتجاهل الجرائم ضد الإنسانية من جانب الجيش الإسرائيلى ضد الفلسطينيين وخطورة مخطط التهجير القسرى لسكان غزة باتجاه سيناء.

أحد قيادات الحركة المعروفين دعا الجيش المصرى الى التدخل والتورط فى الصراع المسلح وردد خطاب قوى إقليمية تسعى لجذب مصر الى مربع الصراع الدموى، وهى مزايدة رخيصة على من تصدى ودفع فاتورة باهظة من دم أبطال سقطوا فى الصراع العربى - الإسرائيلى، ثم قادت مصر عملية السلام التى انتهت بتحرير غزة والضفة من الاحتلال الإسرائيلي،

والأهم هو إجابة السؤال: هل توسيع الصراع فى مصلحة القضية الفلسطينية ام يصب فى مصلحة حكومة تل أبيب المنهارة وخطتها للهروب الى الأمام من خسائرها الضخمة ومحاكمتها الحتمية؟
لم تعد الحياة السياسية المصرية تتحمل جماعات وظيفية تحقق أهداف أصحاب المصالح او عرائس ماريونت تحرك خيوطها جماعة إرهابية او بقايا انتهازيين اعتادوا على التكسب من المزايدة السياسية او أحزاب تملي شروطها على دولة وشعب وهى بلا مقاعد نيابية جاءت نتيجة مشاركة انتخابية حقيقية.. لن تنصلح الحياة السياسية إلا بالتخلص من تلك التشوهات الى الأبد..انقذوا العمل السياسى بإعلان وفاة الحركة المدنية.