«أَمْ خَمِيسْ».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

الدكتور صلاح البسيوني
الدكتور صلاح البسيوني

سَيِّدِي اَلْكَاتِبُ اَلْكَبِيرُ . . كُلُّ صَبَاح أُتَابِع جُهُودُكُمْ اَلْمَشْكُورَةُ وَالْمَحْمُودَةُ فِي مُسَاعَدَةٍ اَلْمُحْتَاجِينَ وَرَفْعِ اَلْمُعَانَاةِ عَنْ اَلْمَطْحُونِينَ . .

مَشْرُوعُ اَلْعِلَاجِ . . مَشْرُوعُ اَلْإِسْكَانِ . . مَشْرُوعُ اَلْكِسَاءِ . . مَشْرُوعُ اَلتَّعْلِيمِ . . مَشْرُوعٌ وَمَشْرُوعٌ . . وَأَهْلَ اَلْخَيْرِ إِلَيْكُمْ تَمْتَدُّ أَيَادِيَهُمْ بِآلَافِ وَرَاءِ اَلْآلَافِ مِنْ اَلْجُنَيْهَاتِ . . تَشُدَّ مِنْ أَزْرِكُمْ . . تُضِيفَ اَلْكَثِيرَ إِلَى جَانِبِكُمْ . . لِيَرْتَفِع اَلْبُنْيَانُ . . وَيَكْبُرَ صَرَّحَ اَلْخَيْرُ بُكْمُ وَمَعَكُمْ .

 وَلِهَذَا يَا سَيِّدِي أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ عَنْ تِلْكَ اَلْعَجُوزِ اَلَّتِي تُدْعَى أُمُّ خَمِيسْ . هِيَ اِمْرَأَةٌ فِي اَلْعَقْدِ اَلْخَامِسِ مِنْ عُمْرِهَا . . تَحَمُّلُ مِنْ اَلشُّحُومِ مَا يَعُوقُ حَرَكَتَهَا . . وَيَفُوقَ قُوَّتَهَا . . فَأَقْعَدَتُهَا فِي مُعَانَاةٍ بِلَا حَرَاكٍ . . وَهِيَ فِي سُكُونِهَا وَسِجْنِهَا اَلْإِجْبَارِيِّ لَا تَجِدُ مِنْ يَعُولُهَا أَوْ يَمُدُّ يَدَ اَلْمُسَاعَدَةِ إِلَيْهَا .

 يَتَسَاوَى مَعَهَا اَللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . . تَشْغَلَ فِي حُجْرَتِهَا مِسَاحَةَ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ لِسَنَوَاتٍ طَالَتْ بِلَا حَرَاكٍ . . حَتَّى عِنْدَمَا تَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ حَاجَتِهَا فَهِيَ تَتِمُّ فِي مَكَانِهَا . . وَمَا أَدْرَاكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُعَانَاةٍ . . تَحْتَاجَ اَلطَّعَامَ كَمَا تَحْتَاجُ اَلدَّوَاءَ لِلْأَمْرَاضِ اَلَّتِي سَكَنَتْ جَسَدَهَا . . صَالَتْ وَجَالَتْ وَكَأَنَّهَا جُيُوشُ اَلتَّتَارِ فِي زَحْفِهَا . . فَتَمَكَّنَتْ مِنْهَا بِكُلِّ أَسْلِحَتِهَا . . سُكَّرٌ ، ضَغْطٌ ، كَبِدٌ ، كُلَى ، قَلْبٌ ، لِتَنْتَهِيَ أَخِيرًا إِلَى اَلْأَمْرَاضِ اَلْجِلْدِيَّةِ بِكَافَّةِ أَنْوَاعِهَا وَتَقَيُّحَاتهَا . . فَالْجُلُوسُ طَالَ وَالدِّفَاعُ اِنْدَثَرَ وَانْدَحَرَ وَزَالَ .

 سَيِّدِي اَلْكَاتِبُ اَلْكَبِيرُ . .

أَدْعُو اَللَّهُ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ . . وَتَمْتَدَّ أَيَادِيكُمْ بِالْخَيْرِ إِلَى تِلْكَ اَلسَّيِّدَةِ فِي مَجَالَاتِ اَلْعِلَاجِ وَالْكِسَاءِ . . وَمَشْرُوع صَغِيرٍ لِلْبَيْعِ فِي جَلْسَتِهَا لِتَكَسُّبِ قُوتِ يَوْمِهَا . . لَا نَسْتَطِيعُ أَنَّ نَزِيلَ عَنْهَا اَلْكَثِيرَ مِنْ آلَامِهَا وَأَعْبَائِهَا مَهْمَا اِمْتَدَّتْ إِلَيْهَا أَيْدِينَا وَأَهْلُ اَلْخَيْرِ مَعَنَا . . وَاَللَّهُ فَوْقَ اَلْجَمِيعِ مُسَبِّبٍ اَلْأَسْبَابِ . . وَفَّقَكُمْ اَللَّهُ وَجَعَلَكُمْ مِنْ أَسْبَابِ اَلْخَيْرِ لِلْجَمِيعِ . . وَدُمْتُمْ .

                           فَاعِل خَيْرٍ

* * * * * * * * * * *

 سَيِّدِي اَلْكَاتِبُ اَلْكَبِيرُ . .

تَمُرَّ اَلْأَيَّامُ وَأَنَا فِي اِنْتِظَارِ مِنْ يَسْأَلُ عَنْ " أُمِّ خَمِيسْ " عَلَى عُنْوَانِي اَلَّذِي كَتَبَتْهُ أَوْ عُنْوَانِهَا اَلَّذِي ذَكَرَتْهُ فِي خِطَابِي . . أَمْرٌ عَلَيْهَا أَسْأَلْهَا . . أَعُودُ إِلَى مَنْزِلِي أَنْتَظِرُ . . وَتَمُرَّ اَلشُّهُورُ وَأَنَا فِي اِنْتِظَارِ اَلْحَدَثِ وَكُلِّي أَمَل فِي أَنَّ شَيْءَ مَا سَيَحْدُثُ لِرَفْعِ اَلْمُعَانَاةِ عَنْ تِلْكَ اَلْعَجُوزِ لِكَيْ تَرْتَاحَ .

 وَهَذَا اَلْمَسَاءُ عُدْتُ إِلَى مَنْزِلِيٍّ  لِأَجِد أُسْرَتِي فِي حَالَةٍ مِنْ اَلْحُزْنِ . . اِنْقَبَضَ صَدْرِي . . يَنْزِلَ اَلْخَبَرُ كَالْمِطْرَقَةِ عَلَى رَأْسِي . . اِرْتَاحَتْ " أُمُّ خَمِيسْ " .

  نَعِمَ سَيِّدِي اَلْكَاتِبُ ..

 أَزِفَ إِلَيْكُمْ اَلْبُشْرَى . . اِرْتَاحَتْ  " أُمُّ خَمِيسْ " وَمَاتَتْ .

  أَشْكُرُكُمْ عَلَى حُسْنِ تَعَاوُنِكُمْ وَاهْتِمَامِكُمْ .. وَدُمْتُمْ .

                        فَاعِل خَيْرٍ .