«بقعة ضوء» قصة قصيرة للكاتب محمد كسبه

محمد كسبه
محمد كسبه

جلست على سىريرها تتذكر أحداث الماضي، صراخ وضحكات ولعب أطفالها الصغار، نظرت إلى القفص المعلق في العمود في وسط البيت، الذي ترقد فيه الحمامة البيضاء على فرخيها ويقف وليفها بكبرياء على حافة القفص، تذكرت ضحكات طفلتها الصغيرة حين كانت تضعها داخل القفص وتهزها يمينا ويسار حتى تخلد للنوم وتتابع هي أعمال المنزل .

ابتسمت حين تذكرت صابرين في مناقشة الدكتوراة وهي تضمها إلي صدرها .

- أمي احبك جدا، كنت أتمنى أن يكون والدي معي في هذا اليوم .

- ‏حبيتي بارك الله فيك ورحم والدك رحمة واسعة، أنت صغيرتي المدللة المحببة لنا جميعا، كل إخوتك يفتخرون بك، جميعهم في مراكز ووظائف ممتازة وأصبحوا شخصيات مرموقة في المجتمع وأنت كذلك، أنا افتخر بكم جميعا، ابني الأكبر عادل أصبح الآن مستشارا وياسر أصبح طبيبا جراحا ومنير مهندسا معماريا وعصام أصبح مديرا لأحد البنوك .

الله وحده يعلم كم كنا شرفاء ومكافحين ولا نقبل الحرام وملتزمين في العبادة ، لقد كرسنا حياتنا لأجلكم، رغم بساطة حياتنا وقلة ما كان في إيدينا إلا أن الله أكرمنا فيكم فأنتم أعظم كنز في حياتي .

- نعم يا أمي لقد كنا فقراء جدا، ألا تذكرين يا أمي في أيام العيد كان عادل وياسر التوأم لديهم بيجامة واحدة يبدلونها معا، حتى والدي كانت تمر عليه أعوام دون أن يلبس جديدا، وأنت كذلك، لعن الله الفقر يا أمي .

لماذا يا حبيبتي لا تتركين هذا المنزل المبني بالطين والمسقوف بسعف النخيل والقش؟ وتأتين معي في شقتي أو تعيشين مع أخي عصام في الفيلا، كلنا لدينا بيوت وشقق فاخرة وأنت ما زلت في هذا البيت المتواضع هذا لا يصح وغير معقول .

- لا يا صابرين أنا أعشق هذا البيت البسيط، ففيه قضيت أجمل أيام عمري مع والدك، فأنا أحتفظ فيه بكل مقتنياته، ملابسه، نظارته، سبحته التي تضيء في الظلام، سجادة صلاته، مصحفه، أنا أشعر بروحه في كل ركن في البيت .

تخيلي يا صغيرتي أخوك المستشار، المهندس أو الدكتور حين ينتاب أحد منهم القلق، الاكتئاب أو الأرق، يأتي ويستريح وينام على القفصين الجريد سريري .

نظرت الأم حولها وجدت بقعة ضوء تحيط بسريرها بالكامل، نظرت للقمر فرأت زوجها الشيخ حسن يبتسم، ابتسمت له وتمددت على السرير ونظرت إلى ضوء القمر المتسلل إلى وجهها عبر ثقب في ثقف البيت، ثم زفرت آخر أنفاسها وأغمضت عيناها.