آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: وإن من شيء إلا يسبح بحمده

حامد عز الدين
حامد عز الدين

أصل التسبيح في اللغة القرآنية هو التنزيه، أي كل مخلوقات الله التي تسبح لله إنما يؤكد عمليا تنزيهه سبحانه وتعالى عن أي من صفات مخلوقاته. ولأنه هو الله الخالق فإن القوانين المرتبطة بكل مخلوقاته من الإنسان إلى الحيوان والنبات والجماد إنما تسبحه أي تنزهه عن أي من القوانين المتحكمة في مخلوقاته. فالتسبيح هو الحركة الدائمة لكل ما في الكون حيث لا ثابت إلا الله.

وعليه فالوردة مثلا تتحول خلاياها فتكبر ثم تكبر ثم تذبل، وقطعة الخشب تختلف خلاياها كذلك بمرور الوقت لو وضعناها تحت الفحص الميكروسكوبي، والإنسان ينتقل من الولادة إلى الطفولة ثم الصبا فالشباب فمرحلة العجز ثم الكهولة، مادام الموت نهاية كل حي. بل إن الانتقال من بين حرارة الصيف وما يتبعها إلى برودة الشتاء إلى ألوان الربيع وزهوره ثم ذبول أوراق الشجر في الخريف كل ذلك هو تنزيه لله بتأكيد صفات مخلوقاته . 

وفي الآية 13 من سورة الرعد: «وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ». نعم فالرعد يبدأ ضعيفا ثم يقوى ثم تتضاعف قوته، وتعود بعدها للهدوء. وكذلك المطر والرياح وما إلى ذلك. 

وفي الآية 44 من سورة الإسراء: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا».

واضح أن التسبيح هنا لا علاقة له مطلقا بترديد أسماء الله باستخدام، وأن كل ما في الأرض بلا استثناء يسبح لله تعالى . ولا يمكن أن يرتبط الموضوع بلغة بالمرة، إنما هو تغير وتبدل لكل مخلوقات الله. وفي الآيتين 26 و27 من سورة الرحمن: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ».  فالظاهر في الآية أن كل ما كان على الأرض هو فانٍ، الجبال تدك، والأشجار والأحجار تذهب، والجن والإنس يموتون، والحيوانات تموت، ما يبقى شيء، إلا الله سبحانه جل وعلا . 

وفي  الآية 41 من سورة النور: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ». وفي الآية 1 من سورة الجمعة: «يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ». نعم كل ما في السماوات والأرض يتغير ويتبدل فيسبح لله سبحانه وتعالي أي يؤكد تنزه سبحانه عما يصفون  «سبحانَ مَنْ يُغَيّر ولا يَتَغَيَّر».

وهذا يعني أنَّ الله -سبحانه وتعالى- هو الـمُتصرِّف في العباد، يغيِّرُ أحوالَهم، أمَّا هو -سبحانه وتعالى- فهو لا تَعْرِضُ له العَوارضُ التي تَعْرِضُ للمَخلوق، فهو حيٌّ لا يموتُ، وقيُّومٌ لا ينامُ، ولا يَضِلُّ ولا ينسى. والتسبيح  - إذن - هو الحركة الدائمة لكل ما في الكون، حيث لا ثابت إلا الله، وتسبيح الله هو تنزيهه عن التبدل والتغير، أي الاقتناع أن ليس كمثله شيء. كل شيء في الطبيعة متغير باستمرار، فالشجرة بعد دقيقة من الآن تكبر أو تموت بدرجة مختلفة عن هذه اللحظة، وكل خلية حية في جسم الإنسان تتغير بشكل متواصل، فتسير في دورة حياة معينة لكن لا تبقى على حالها، وهذا قانون أساسي من قوانين الكون (كل في فلك يسبحون) وينتج عنه ظاهرة الموت وبالتالي «كل شيء هالك إلا وجهه».

وهذا التغير الدائم هو التسبيح، و«التسبيح» جاءت من «سبح» وهو الحركة المستمرة كالعوم في الماء، ولو حاولنا كتابة (ك ل ف ي ف ل ك) بالحروف المقطعة فإننا سنكتشف أن الجملة تقرأ من اليمين إلى اليسار بنفس ترتيبها من اليسار إلى اليمين وكأن كل ما بدأ  إلى نهاية، وكل ما انتهى هو بداية بمعنى آخر . وحين نقول «سبحان الله» تعليقا على ما يحدث حولنا من تغيير وتبديل فإننا ننزه الله تعالى عن التغير.