مشوار

أم البطل ...

خالد رزق
خالد رزق

حلت هزيمة يونيو 1967 وكانت الكارثة الأكبر التى تلحق بمصر منذ ما بعد تحررها من الاحتلال البريطانى ولكن هذه الهزيمة على هول آثارها ونتائجها وتعداد شهدائنا الكبير فيها لم تنجح بكسر الشعب المصرى فبينما كانت مصر الدولة والمؤسسات تضمد جراحها وتستعوض خسائرها التسليحية كان شعب مصر يتحفز للثأر والانتقام من العدو، يشهد على ذلك التحاق الآلاف من زهرة شباب الوطن بقواته المسلحة ضباطًا وصف جنود مختارين رغم تيقنهم بأن ليس فى انتظارهم على الأرجح والبلد فى حال حرب غير الموت.


الشباب المصرى الذى التحق بالجيش بعد الهزيمة كانت مدفوعًا بمشاعر وطنية حقيقية صادقة تربت فى بيوت وبمدارس ومعاهد وجامعات كانت كلها تؤمن بالحرية والاستقلال وقيمة ومعنى الوطن والأرض، والأهم فى كل ذلك أنهم كانوا أبناء لآباء وأمهات لم تغلب لديهم مشاعر الخوف الطبيعية على حياة الأبناء، «انتماءهم» للوطن ولا هى قهرت إيمانهم بالحرية والكرامة واندفاعهم نحو الثأر واسترداد الحقوق فكان أن قدموا أبناءهم فى مدد هادر طاغٍ لم ينقطع لجيش بلادهم.. تحضرنى تلك الأيام وعنوانها بعد انتصارنا المظفر فى أكتوبر 1973 أغنية أم البطل للمطربة الراحلة شريفة فاضل التى وقفت وهى أم الشهيد سيد السيد بدير الضابط بالقوات المسلحة والذى ارتفع فى الحرب لتشدو لأمهات أبطالنا المقاتلين شهداء وأحياء متغنية ببطولة أبنائهن، هذه الأغنية التى ولسنين بقى يدهشنى كيف استطاعت الأم الثكلى وعلى حزنها الأكيد أن تغنيها، وكنت أظن فى الأمر معجزة لا تتكرر.. مرت السنون وكبرت وعاصرت العدوان تلو العدوان ومن نفس العدو الوحشى البغيض النجس على بلادنا العربية ورأيت بعينى المشاهد الأولى لمعجزة أمهات الشهداء وبطلاتها كن من لبنان، أمهات أبطال مقاومتها اللاتى أعجزن الدنيا بصمودهن وهن تستقبلن عبر السنين أنباء استشهاد الأبناء فى المواجهات مع العدو بالتهليل والزغاريد، المشاهد نفسها تكررت غير مرة مع أمهات الفلسطينيين وأكثرها جلالاً وعظمة هو ما نعيشه اليوم، فمعهن عرفت الدنيا الجوهر الحقيقى للإيمان، فلا شيء غير إيمان صادق بوعد الله للشهداء يمكن أن يهدئ روع أم ثكلى.. رحم الله شهداءنا وأثلج صدور أمهاتهم.