هو أحد فرسان جيل الثمانينيات الذين لقبوه بمخرج الواقعية الجديدة، هذا الجيل الذي كان المواطن البسيط هو همه الأول ومصدر إلهامه، حملوا في عاتقهم إبراز مشكلات المجتمع ومنغصاته وأفكاره، وعلاقة الشعب بالحكومات، التعبير بصدق عن تأثير التغيرات السياسية منذ حركة يوليو وصولا إلى فترة الركود السياسي بداية من الثمانينيات، والتحولات الجذرية التى شهدتها الشخصية المصرية على مدار أعوام، وكان أحد أبرز المخلصين لهذه الحقبة ولتلك التجربة، بل وكان أكثر المخرجين قربا من الجماهير، ليس فقط لأن البسطاء كانوا أبطال أفلامه، أو لأسلوبه المباشر في الطرح الذي تميز به عن جيله الذين جنحوا غالبا للرمزية، لكن الأهم لأن معظم أعماله تدور أحداثها في الشارع المصري، لهذا أُطلق عليه لقب “مخرج الشارع”، هو المخرج الراحل عاطف الطيب الذي نقدم له تحية في ذكرى ميلاده الـ 76 ، فهو مولود في 26 ديسمبر عام 1947.
كان الشارع المصري بطلا في أفلام عاطف الطيب، وحاضرا بقوة بكل تفاصيله ومؤثراته الخارجية على غرار حرص الطيب احتواء شريط الصوت على الأغنيات التي حققت شهرة واسعة خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات مثل “لولاكي” لعلي حميدة، أغنية “الأساتوك” لحمدي بتشان، وأغنية “قوللي” لمحمد فؤاد، وغيرهم، تلك التفصيلة تبدو بسيطة في ظاهرها لكن في طياتها تحمل عمق وفهم من عاطف الطيب لطبيعة المشاهد المصري.
تخرج عاطف الطيب من معهد السينما عام 1970، وعمل كمساعدا مع عدد من المخرجين مثل يوسف شاهين وشادي عبدالسلام ومحمد عبد العزيز، ثم قدم الطيب عددا من الأفلام التسجيلية قبل أن يبدأ مسيرته مع الأفلام الروائية الطويلة، وهو مشوار يبدو قصيرا نوعا ما (15 عاما) لكنه مؤثر في ما تركه هذا المبدع المخلص أيضا للسينما، حيث لم يقدم أي أعمال خارج حدود السينما سواء في التليفزيون أو المسرح، سوى تجربة بسيطة في الفيديو كليب الذي كان وقتها نوعا جديدا ظهر على الساحة، وقدمه الطيب بأسلوب سينمائي بحت، حيث أنه في الظاهر أخرج أغنيتين، كل أغنية منهما تعتبر فيلما قصيرا حيث تحتويا على حكاية سينمائية شيقة، الكليب الأول هو “كتبتلك” للطيفة، والثاني وهو الأشهر “شنطة سفر” لأنغام والذي ظهر فيه الممثل طارق لطفي.
قدم عاطف الطيب خلال مشواره السينمائي 21 فيلما، كانت البداية عام 1982 بفيلمين، الأول من حيث الطرح السينمائي كان “الغيرة القاتلة” المأخوذ عن مسرحية وليام شكسبير “عطيل”، وكان الطيب لديه نفس لهفة واهتمام بطل الفيلم ومنتجه نور الشريف تجاه الأدب العالمي وتحويله إلى السينما المصرية، وشارك في بطولة الفيلم أيضا يحيى الفخراني ونورا وسعاد نصر، وكتب له السيناريو والحوار وصفي درويش، أما الفيلم الثاني الذي قدمه الطيب في نفس العام كان مع نور الشريف أيضا والذي يعد من أشهر أفلام الثنائي معا وهو “سواق الأتوبيس” الذي قام بتأليفه المخرج محمد خان وكتب له السيناريو والحوار بشير الديك، وحصل عاطف الطيب من خلال الفيلم على أولى الجوائز في مسيرته، وكانت أفضل عمل أول أو ثان من مهرجان قرطاج، وفي نفس العام سيطر الفيلم على جوائز جمعية الفيلم بالإضافة إلى جائزة الجمهور، ويحتل “سواق الأوتوبيس” المركز الثامن فى قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية حسب إستفتاء النقاد.
شهد عام 1984 التعاون الأول بين عاطف الطيب والسيناريست وحيد حامد من خلال فيلم “التخشيبة” الذي شارك في بطولته كل من نبيلة عبيد وأحمد زكي، وبعده بعام يعود الطيب لاقتباس الأعمال الأدبية الأجنبية وتمصيرها مع نور الشريف من خلال فيلم “الزمار” المأخوذ عن مسرحية “هبوط أورفيوس” للكاتب الأمريكي تسيني ويليامز، في الفيلم الذي شارك في بطولته بوسي وصلاح السعدني، واشترك في كتابة السيناريو والحوار رفيق الصبان وعبد الرحيم منصور.
قدم عاطف الطيب عام 1986 ثلاثة أفلام دفعة واحدة، الأول كان “الحب فوق هضبة الهرم” المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم لنجيب محفوظ، وكتب له السيناريو والحوار مصطفى محرم، وشارك في البطولة أحمد زكي وآثار الحكيم، والفيلمين الآخرين مع المؤلف وحيد حامد، هما “ملف في الآداب” الذي شارك في بطولته فريد شوقي ومديحة كامل وصلاح السعدني، ذلك الفيلم الذي يعتبر من أكثر أفلام تلك المرحلة تعبيرا عن الطبقة العاملة والتنبؤ بأنهم في طريقهم للسحق حيث أنهم يعملون طوال اليوم في دوام واثنين وأكثر.
الفيلم الثاني كان “البرئ” والشخصية الخالدة التي قدمها أحمد زكي “أحمد سبع الليل” الذي يعد أكثر الأفلام المصرية تعرضا للرقابة، حيث تم منع تصوير المشهد الختامي الذي كانت مدته 6 دقائق، وحذفت النهاية الأصلية بعد تشكيل لجنة رقابية مكونة من وزير الدفاع عبد الحليم أبو غزالة ووزير الداخلية أحمد رشدي ووزير الثقافة أحمد عبدالمقصود هيكل، وظلت النسخة الأصلية من الفيلم ممنوعة من العرض لمدة 19 عامًا قبل أن توافق وزارة الثقافة في عام 2005 على عرضه كاملًا مع النهاية المحذوفة في المهرجان القومي للسينما كتكريم للراحل أحمد زكي.
في عام 1987 قدم الطيب ثلاثة أفلام أيضا، الأول هو “البدرون” الذي شارك في بطولته ليلى علوي وسهير رمزي وممدوح عبد العليم ومن تأليف عبد الحي أديب، وفيلم “ضربة معلم” من تأليف بشير الديك وبطولة نور الشريف وليلى علوي وكمال الشناوي، وفيلم “أبناء وقتلة” من تأليف إسماعيل ولي الدين وسيناريو وحوار مصطفى محرم وبطولة نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز.
في عام 1988 قدم عاطف الطيب واحد من أمتع أفلامه وأكثرها خفة ظل رغم ما يحتويه من تقديم وضع قاتم ومزري للطبقة المهمشة حيث كان بطله “رضا” سائق التاكسي الذي يطوف بسيارته قبل أن يصطدم بإيمان وهي “زبونة” يكتشف أنها مليونيرة قادمة من الخارج، ويبدأ الثنائي معا رحلتهما في شوارع القاهرة ليكشف الطيب ومؤلف الفيلم وحيد حامد عن الحال الذي وصلت إليه العاصمة خلال تلك الحقبة.
لم يحقق فيلم “كتيبة الإعدام” النجاح الجماهيري وقت عرضه، لكن الشهرة طالته بعد أعوام وتحديدا خلال ثورة يناير لتماشي المشهد الختامي له مع الوضع وقتها، وهو الفيلم الذي شهد التعاون الأول مع السيناريست أسامة أنور عكاشة وشارك في بطولته كل من نور الشريف ومعالي زايد وممدوح عبدالعليم وشوقي شامخ وطرح عام 1989، وفي نفس العام اتجه الطيب من جديد إلى أدب نجيب محفوظ من خلال فيلم “قلب الليل” الذي كتب له السيناريو والحوار محسن وايد وشارك في بطولته أيضا نور الشريف ومعه فريد شوقي وهالة صدقي.
ثم يأتي فيلم “الهروب” الذي يعتبر من أكثر أفلام الطيب تحقيقا للنجاح الجماهيري من خلال شخصية “منتصر” المتهم الهارب والذي يعد من أكثر الأدوار التي تعشقها الجماهير لأحمد زكي، في الفيلم الذي كتبه مصطفى محرم وشارك في بطولته هالة صدقي وعبدالعزيز مخيون ومحمد وفيق وعرض عام 1992.
اخترق عاطف الطيب عام 1992 قضيتين هامتين، الأولى متعلقة بالشعب الفلسطيني من خلال فيلم “ناجي العلي” الذي يسرد تفاصيل حياة واغتيال الشاعر والمناضل الفلسطيني، في الفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار بشير الديك وقام ببطولته رفيق درب الطيب الممثل نور الشريف، والقضية الثانية التي اخترقها الطيب مع المؤلف وحيد حامد كانت مافيا التعويضات في فيلم “ضد الحكومة” الذي يعتبر من الأفلام القليلة التي قدمت صورة كاملة عن محامي التعويضات وممارساتهم من خلال شخصية المحامي “مصطفى خلف” التي قدمها أحمد زكي، ولا يزال مشهد المحكمة الشهير من أكثر المشاهد التي تتعلق بها الجماهير على مستوى تاريخ السينما المصرية، خاصة الجملة الشهيرة التي صاغها المؤلف بشير الديك “كلنا فاسدون .. لا أستثني أحد”.
تعاون عاطف الطيب مع أسامة أنور عكاشة في “دماء على الأسفلت” الذي شارك في بطولته نور الشريف وإيمان الطوخي، ثم فيلم “إنذار بالطاعة” الذي تعاون فيه لأول مرة مع المؤلف خالد البنا، وشارك في بطولة الفيلم ليلى علوي ومحمود حميدة.
وفي عامي 1994 ثم 1995 قدم الطيب فيلمين يندرجا تحت مسمى دراما الطريق، من خلال رحلتين داخل شوارع القاهرة، برغم التناقض الكبير بين المسارين، حيث أن الرحلة الأولى ترتبط بعلاقة المواطن بالسلطة، أما الثانية فهي تنحصر بين طبقة المهمشين، إلا أن كلتا الرحلتين اشتركتا في إزاحة الستار عن أزمات المجتمع المصري وتحولاته، الأولى رحلة سلوى شاهين “نبيلة عبيد” في “كشف المستور” للبحث عن حقيقة عملها في جهاز أمني كبير لإيجاد الضابط المسئول عن تدريبها وتوكيل المهام لها وهي الشخصية العظيمة التي قدمها يوسف شعبان “طلعت الحلواني”، والرحلة الثانية كانت كان بطليها سيد سائق التاكسي “نور الشريف” وفتاة الليل حورية “لبلبة” في فيلم “ليلة ساخنة” الذي تدور أحداث الفيلم في يوم واحد وهو يوم رأس السنة.
في عام 1998 قدم عاطف الطيب آخر أفلامه “جبر الخواطر” وهو الذي أكمل عمليات المونتاج بمفرده المونتير أحمد متولي بعد رحيل عاطف الطيب، والفيلم من بطولة شيريهان وأشرف عبد الباقي وعلاء ولي الدين، ومن تأليف عبد الفتاح رزق وسيناريو وحوار بشير الديك، وعرض الفيلم في افتتاح مهرجان الأسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في نفس العام.