صدى الصوت

غروب وشروق

عمرو الديب
عمرو الديب

الأعمار كلها تجرى إلى مستقرٍ لها، وتتجه صوب محطة النهاية، وإن طال المدى، هكذا دوماً يذكرنا انقضاء الأعوام، ومُختتم السنين حيث ننتبه - ربما فجأة- إلى أن الشهور قد كرت، والسنة قد انتهت، ولولا المناسبات والطقوس ما أدركنا تلك الحقيقة الساطعة البالغة الوضوح، وهى أن رحلتنا الأرضية دنت أكثر من مرافئ الختام، وأن ورقة أخرى من شجرة العمر تسقط لتقربنا من برالنفاد، ومهجع الغروب والرقاد، ففى مثل هذه الآونة من كل عامٍ تتسلل إلى الصدور أحاسيس شتى غائمة تتأرجح بين الشجن، والفقد، والأسى، والأسف، حيث تتراءى النهايات كعادتها دوماً فى الخواتيم، لذا تنتابنى فى مواسم الغروب هذه حالة مختلفة تتشابك فيها مشاعر مختلطة، يحتضن فيها الأمل الشجن، ويمتزج عبرها الأسف والأسى بالشوق والرجاء، فمن وراء شاطئ النهاية تلوح واحات بداية ما غير واضحة المعالم، وذلك الغموض الذى يلفها يضفى عليها بريقاً، ويمنحها سحراً خاصاً، يصورها كحبلى جميلة تحمل فى أحشائها الوعود والتطلعات، وبين محطة النهاية، وضفة البداية الجديدة يمتد جسر أثير لديّ شغوف أنا بالتوقف عنده، والتأمل فوقه، وغالباً ما أطيل النظر إلى ما مضى من زمنٍ، ثم أتوجه صوب الضفة الأخرى، وأرمق المشهد الضبابى المُنتظر الذى يبدو كجنين فى رحم الأيام لمّا تتشكل ملامحه بعد، وأحاول أن أستشرف سماته، وأستخلص علاماته، وفوق جسر الزمان هذا.. ما بين عالمين: الماضى والمستقبل يتشبع التأمل بروح أعمق كثيراً، ويكتسب خصوبة فائقة ترى الأشياء ببصر نفاذ، ومنها بالطبع مشهدنا الثقافى المزدحم بالوجوه والبصمات والملامح والعلامات، كثير من الإبداعات الفذة الرائعة، وأيضا كثير جداً من النصوص الزائفة السمجة، والكتب التافهة الغثة، أسماء سطعت معلنة تفوقها، وأخرى هوت معلنة إفلاسها، وبغض النظر عن الفائزين بالجوائز، وكثير منها مفتقد المصداقية لم تستطع أسماء مبدعة أن تفرض نفسها على الذاكرة كما حدث فى الأعوام السابقة، وربما يعود ذلك إلى غياب النقد التطبيقى الموضوعى المتجرد من أدران الشللية والمجاملات والمعاملات غير البريئة.