حبر على ورق

فتاة المسبح

نوال مصطفى
نوال مصطفى

فركت عينى غير مصدقة لما أراه! فتاة فى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة على الأكثر يطفو رأسها وكلتا ذراعيها فوق الماء وباقى جسدها غاطس فى مياه المسبح بأحد منتجعات البحر الأحمر الخلابة، وبالتحديد فى مدينة الجونة الفاتنة. كانت تستند بذراعيها على حافة المسبح (حمام السباحة) تمسك بكفيها كتاباً وتضع على عينيها نظارة سوداء.

بهرنى المشهد فهذه أول مرة أشاهد شيئا مثل هذا! فتاة صغيرة تترك اللعب والمتعة فى المسبح لتتابع قراءتها لرواية شدتها، ولم تستطع مقاومة متابعتها، فأخذتها معها فى «البيسين»؟ جلست أتأملها لفترة طويلة وتدفقت الأسئلة على رأسى: لماذا تفعل هذه الفتاة هذا؟ ولماذا تتخلى عن اللعب فى البيسين مثل معظم من فى سنها من أجل أن تكمل جزءا فى الرواية؟ ألم توجعها ذراعاها وهى تتكئ عليهما كل هذا الوقت، خاصة أنها ترفع كفيها بالكتاب ليواجه عينيها ولا يبلله الماء فى الوقت نفسه. هذا متعب جداً. سبحان الله !.

نسيت أن أذكر أن جنسيتها بريطانية، جاءت إلى مصر مع والديها لتقضى عطلتها الصيفية. وتساءلت: لماذا لا أجد هذا الشغف بالقراءة عند فتياتنا أو فتياننا؟ أليست هذه الفتاة تعيش فى زمن الإنترنت الذى تتحججون بأنه السبب الذى أبعدكم عن القراءة؟ إنه إذن ليس صراع أجيال بل هو اختلاف ثقافات. الغرب سبقنا فى التكنولوجيا لكنه لم يتجاهل الثقافة وعمودها الفقرى: القراءة.. الشباب هناك يستخدمون الإنترنت فى كل شىء، لكن الكتاب عندهم أساسى، لا يمكن الاستغناء عنه.

بل إن الإنترنت ساهم فى انتعاش الكتاب الورقى عندهم نتيجة لتناوله للكتب بالعرض والتحليل وتخصيص بعض الصحف لملاحق إسبوعية لتقديم الكتب الجديدة ونقدها.

لقد أسرتنى فتاة المسبح وتمنيت أن أرى هذا المشهد كثيراً بين فتياتنا وفتياننا الأحباء الذين ابتعد معظمهم عن القراءة وأصبحوا مجاذيب الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت.

لذلك يظهر فارق الثقافة جلياً إذا ما التقيت بشاب صغير من دولة غربية وشاب فى نفس سنه من بلادنا العربية. تجد الأول يسألك كثيرا عن مصر وتاريخها ويبدى فضوله لمعرفة صورة مصر الآن. تجده ملماً بمجريات الأمور مهتما بما يحدث حوله فى العالم، ومتابع له. أما شبابنا الصغير أو معظمه إذا أردنا الدقة فلا ينشغل إلا بمقررات المدرسة، والالتزام بالدروس الخصوصية حتى يستطيع عبور امتحانات آخر العام وبعدها يرمى الكتب فى أقرب سلة زبالة! كما يرمى بالمعلومات التى حفظها عن ظهر قلب دون أن يفهمها أو يستوعبها على هامش الذاكرة.

هل هناك حل لتلك المشكلة الكبيرة، التى تخلق جيلاً لا يهتم ولا ينشغل إلا بدائرة ضيقة جداً، ولا يهتم بالشأن العام وبالتالى ينغلق على نفسه ولا يستطيع الانطلاق بفكره وإبداعه بعيداً عن تلك المساحة المحدودة من التفكير.

هناك حلول كثيرة  فى رأيى أهمها عودة حصة القراءة إلى المدارس، وإعطاء المتفوق فى القراءة درجات إضافية مثلما يفعلون مع المتفوقين فى الرياضة، إقامة مسابقات بجوائز قيمة لأفضل قارئ، الاهتمام الإعلامى بالإصدارات الجديدة والأدباء المتميزين، وعرض مسلسلات تليفزيونية عن سير أعلام الفكر والثقافة وبذلك نلهم الشباب الجديد عن طريق مثل أعلى يعجب به ويحاول تقليده.