​​​​​​​ «جفت الأقلام» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

الكاتبة أميرة عبد العظيم
الكاتبة أميرة عبد العظيم

 ليل طويل وظلام حالك، وسماء تمطر فسفور هالك، صرخات الأطفال تدوي بعنف من كل جانب، جفت الأقلام ولكن حكايات ليالي غزة الحزينة والمروعة لم تجف، ورغماً عن أنف قلمي الذي قد جف فأنا سأملأ أنبوب المداد بدم الشهيد ليكون مدادا حقيقا بل وشاهد ونذير

فاليوم القلم يحاكى والعين تقرأ عن أم يَحيَ، صوت يعلو من فوق الركام وعين تبكي من فلسطين الحرة.

كانت أم يَحيَ تحتضن بناتها الثلاث وينامون داخل مخيم بحي الشجاعية بغزة، ذلك المخيم الذي يحوي الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن، ومثل كل ليلة مشؤومة صفارات الإنذار تدوي بعنف شديد، الجميع يستيقظ في فزع المشهد وكأني أراه بأم عيني

 أراهم يهرعون من المكان، ويسقطون واحد تلو الآخر من الكر والفر، دُك المخيم فوق رؤوسهم دكاً، هُدّمت العمارات التي كانت يحتمون فيها من حولهم صارت ركاما ونارا تشتعل في كل مكان.

 -أم يَحيَ تفتح عينيها وتصرخ بناتي أين بناتي كنت بجانبهم، وكنا نائمون لم نفعل شيء حتى أنهم ناموا من الجوع والخوف

  -من بعيد تسمع صوت يعلو من تحت الأنقاض أمي نحن هنا

تحت التراب.. أمي. أمي ونواح البكاء يعلو

الأم تبحث عن رجال الإنقاذ وتنادي انقذوني أنقذوا بناتي، أنا أسمعهم من هناك نعم من هنا من هذا الاتجاه، الأم متعطشة لبناتها وزلزال يدوي في صدرها، ورجال الإنقاذ يهدئون من روعها، تدنو منهم قليلا وتحاول أن تجعلهم يسمعون صوتها لتطمئن قلوبهم، المشهد لا يصدقه عقل ولا يتحمله قلب.

عندما سُلطت عليهم الكشافات البنات الثلاثة يحتضن بعضهم البعض لحمة واحدة، عمود من الحديد فوق أرجلهن، على الرغم من صعوبة تحمله لِثقَله على أجسادهن النحيلة إلا أنه هو ما أنقذ حياتهم.

هدأت أم يَحيَ قليلا بعد رؤية بناتها ونورهم يسعى بين أيديهم، ملائكة لاحول لهم ولا قوة

في غضون حوالي نصف ساعة تم انتشال الأطفال، وبسرعة فائقة جاءت سيارة الإسعاف لنقلهم ونقل آخرين من المصابين حيث المكان كان يعج بالجرحى وأشلاء من الجثث.

 فقدت أم يَحيَ ابنتها الصغرى.. جسدها النحيل وقلبها الصغير لم يتحمل.. استشهدت الطفلة فدوى ورافقت من سبقوها من الأطفال، أولئك الذين يدفعون أرواحهم ثمناً باهظاً من أجل الوطن.

الأم تقبّل ابنتها الشهيدة وتحتضنها، وتردد قائلة الحمد لله.. الحمد لله.. كلنا فداء لفلسطين.