قضية ورأى

المسئولية

د. ممدوح سالم
د. ممدوح سالم

تساءل ولدي: تبدو منحازًا كما لم أعهدك من قبل! فما الأمر؟ فأجبته، نعم؛ ذلك من واقع مسئوليتي؛ مواطنًا مصريًا من جهة، ومسلمًا عربيًا من جهة أخرى.. ولا أكون منصفًا بحال إذا تحليت بالحيادية لحظة واحدة عند الدفاع عن الحقوق الواجبة بفعل الوطنية والهوية والتاريخ.

إن دفاعك عن وطنك وهويتك ودينك ومقدساتك أمر لا زعزعة فيه ولا ريب حين يمسسه عدو بسوء، بل هو حق وواجب ومسئولية تدفعك إلى وقفة المدافع المستميت عن حق لا يمكن التفريط فيه بحال. فما بالك لو انتهكه غاصب محتل؟!

قال: فى حديثك غير مرة ذكرت المسئولية، فماذا تعني؟ قلت نعم، إنها المسؤولية التى تغير أطوار الرجال؛ بل لا أبالغ إذا زعمتُ أن بها مقادير الرجال، وبها يُعرفون. وأوضح لك. لعلك درست فى التاريخ موقف الصديق أبى بكر والفاروق عمر واختلافهما من قتال مانعى الزكاة يومئذ بعد أن تولى الصديق أمر المسلمين.

قال: لقد كان الصديق حازمًا قويًا فى موقفه بخلاف الفاروق الذى آثر اللين والتودد. قلت: لقد ذهب العقاد فى تفسير اختلاف موقف صاحِبَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ فبينا هو التبسط واللين والهدوء من الفاروق عمر، إذا هو الحزم والشدة والحق فى موقف الصِدِّيق أبى بكر الرجل الودود الأسِيف (الرقيق كثير البكاء) كما تصفه أم المؤمنين؛ حتى قال أبو بكر رضى الله عنه يومئذ: «والله لو منعونى عناقا، أو عقالا (كناية عن القليل من الشيء) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها» - قال عمر رضى الله عنه: «فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبى بكر رضى الله عنه بالقتال، فعرفت أنه الحق».

كثيرة هى المواقف التى تضعنا فى حيرة من تفسير حال صاحبها، نستغربه لموقفه، بل قد نستغرب أنفسنا وذواتنا فى اتخاذ موقف قد يبدو مغايرًا لما عهدناه فى أنفسنا، ونتساءل قبل تساؤل الغير فى تفسير ذلك الموقف؛ فلا يكون ثمة جواب كافٍ شافٍ إلا المسؤولية!

ذلك الالتزام الأخلاقى للمرء تجاه النفس أولا قبل أن تكون إزاء الآخرين، وذلك العهد الذى قطعه الإنسان على نفسه من الحق فى مواجهة التبعات التى ينبغى مواجهتها ما دام مسؤولا، وتلك القوة الخفية، بل قل الروح الحية الملهمة التى تحيى الضمير؛ لينهض بالجوارح من غفلة سباتها الترابى إن المسئولية هى الهدية الكبرى المعتبرة التى ينبغى أن نهيئ أولادنا لاستحقاقها يوما ما، يوم يقررون هم أنهم قادرون على حمل لوائها، ويعلمون أنهم أمام أنفسهم مسئولون.
قال تعالى « وقفوهم إنهم مسئولون» ٢٤ الصافات.