محـلـلون: الاجـتـيـاح «كـمـين جديـد» ينتــظر إســرائـيـل

أثار عملية «طوفان الأقصى» واضحة على جندى اسرائيلى قرب غزة
أثار عملية «طوفان الأقصى» واضحة على جندى اسرائيلى قرب غزة

أهم ما يميز جولة العنف الأخيرة بين الفلسطينيين والاحتلال، هو أن حركة حماس حققت مفاجأة كاملة تقريبـًا لإسرائيل وأظهرت قدراتٍ قتالية غير متوقعة باغتت بها العدو وألحقت به قدرًا غير مسبوق من الخسائر مع مقتل مئات المستوطنين وإصابة الآلاف وأسر عددٍ غير معروف منهم بينهم جنود من الجيش الإسرائيلي.

ومن الواضح حتى الآن أن الهجوم صدم المجتمع الإسرائيلي، خاصة مع فشل الحكومة اليمينية المتطرفة فى اكتشاف الهجوم، مما قد يمثل نهاية مسيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسية. ومن المرجح أن يتردد صدى هذه الفضيحة في إسرائيل لسنواتٍ، خاصة وأن ما حدث يشبه الفشل الاستخباراتى فى حرب 6 أكتوبر 1973 حينما انتصر الجيش المصرى واستعاد سيناء.

وبعد 50 عامـًا من آخر هزيمة مهينة تعرضت لها تل أبيب على يد المصريين، جاءت عملية «طوفان الأقصى»، لتدل على أن حماس لديها قدرات تنفيذ محكمة، وانطباع بقدرة على القتال مدة طويلة. وقال الباحث فى معهد «اى أن أس أس» فى تل أبيب كوبى ميخائيل إن العملية «إخفاق هائل لإسرائيل ونجاح هائل لحماس». وأكد أن حجم الهجوم يشير إلى دقة التخطيط الذى تطلبه. ويشير عدد الصواريخ التى أطلقتها حماس بالآلاف على إسرائيل حتى الآن، إلى أنها تمتلك ترسانة ضخمة من هذه الأسلحة التى ألحقت ضررًا واسعاً بالمستوطنات. كما أن استمرار الحركة فى قصف أهدافٍ فى الداخل الإسرائيلى يشير إلى أن حماس باتت تعمل على تطوير قدرات التصنيع المحلي.

وقال إليوت تشابمان الباحث فى شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى شركة الاستخبارات الدفاعية البريطانية «جاينز» إن غالبية الصواريخ التى فى حوزة الحركة يتمّ تصنيعها محليًا «وهى أنظمة صواريخ غير موجّهة لا تتطلب تقنياتٍ متقدمة».

ويرى خبراء أن الحركة قد تبقى بعض قدراتها مخفية الى أن يحين موعد المعركة المباشرة مع قوات الاحتلال. وقال الباحث فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز : «قد نرى ظهور قدرات جديدة بالكامل فى حال اجتاحت (إسرائيل) قطاع غزة عن طريق البر». وهو سيناريو يُتوقع حدوثه بنسبة كبيرة خاصة مع استمرار احتجاز حماس لرهائن.
وأمام الإخفاق الكبير الذى لحق بإسرائيل، تحاول تل أبيب الانتقام بعنف من حماس ولكنها ترتكب فى سبيل ذلك جرائم حرب ضد المدنيين فى غزة ،حيث يستمر القصف لليوم الرابع على التوالى وأدى إلى سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين حتى الآن.

وفى عدوانها على غزة تتلقى تل أبيب دعمـًا عسكريـًا هائلاً من الولايات المتحدة، وهوما يعتبره الكاتب السياسى ستيفن إم والت «إفلاسـًا» لسياسة واشنطن تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقال والت فى تقرير بمجلة «فورين بوليسي» إنه بدلاً من العمل كوسيط منصف واستغلال النفوذ الهائل المتاح لها، رضخت الولايات المتحدة لكل المطالب الممكنة لدعم تل أبيب بشكل غير مشروط، وضغطت على القادة الفلسطينيين لتقديم تنازلات وغضت الطرف عن جرائم إسرائيل المستمرة منذ عقود لإبادة الفلسطينيين.

وحتى اليوم، تواصل الحكومة الأمريكية دفع الأموال إلى إسرائيل والدفاع عنها فى المحافل الدولية مع الإصرار على أنها ملتزمة بـ «حل الدولتين». وهو ما يشير إلى أن أهداف واشنطن المُعلنة منفصلة تمامًا عن الوضع على الأرض.

وحتى فى هذه الجولة من العنف، كان الرد الأمريكى الرسمى على القتال هو إدانة حماس على «هجماتها غير المبررة»، والتعبير عن دعمها القوى لإسرائيل، وتجاهل السياق الأوسع الذى يحدث فيه ذلك والأسباب التى تجعل بعض الفلسطينيين يشعرون أنه ليس لديهم خيار سوى استخدام القوة رداً على القوة التى يستخدمها الاحتلال ضدهم بشكل روتينى على مدار السنوات الماضية من خلال عمليات عسكرية منسقة. وقد يفسر هذا سبب فشل جهود السلام الأمريكية السابقة.

كما أن قصف غزة بهذا العنف يوضح أن القوة فى السياسة الدولية أكثر أهمية من العدالة. لقد تمكنت إسرائيل من التوسع فى الضفة الغربية المحتلة وإبقاء سكان غزة فى سجن مفتوح لعقود، عبر حصار شديد، لأنها أقوى بكثير من الفصائل الفلسطيبنية المقاومة.

ورغم أن الحرب هى استمرار لهذه السياسة، ولكن الدول القوية تفوز أحيانًا فى ساحة المعركة ولكنها تخسر على المستوى السياسي. ويعد هجوم حماس رسالة قوية بأن إسرائيل ليست محصنة ولا يمكن تجاهل الرغبة الفلسطينية فى تقرير مصيرها، كما أنه يبين أن اتفاقات التطبيع مع الاحتلال ليست ضمانًا للسلام. وسيكون رد إسرائيل باجتياح غزة بعد كل هذا القصف بمثابة كمين جديد يقع فيه الاحتلال وسيُكسب حماس دعما سياسيا إضافيا لقضيتها وقد يعيد هذا التفكير فى الطريقة التى يتم بها إحلال السلام فى المنطقة بحيث يحصل فيها الشعب الفلسطينى على كامل حقوقه.