كواليس النصر| ٦ساعات وقف أمامها التاريخ.. وملحمة بطولات لاتنضب

كواليس النصر
كواليس النصر

لن ينسى التاريخ أهم معارك النصر والتحرير، تلك المعركة التى استردت بها مصر قطعة غالية منها هى سيناء الحبيبة أرض الفيروز التى طالما طمع فيها الطامعون، وتعد معركة التحرير من أهم المعارك التى طهرت بها قواتنا المسلحة أرض سيناء من الاحتلال، بعد أن ارتوت بدماء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم لكى تبقى مصر حرة مرفوعة الرأس لتظل ملحمة مصرية خالصة.

 لا تزال أسرار معركة تحرير الأرض لا تنتهى، ولا تزال البطولات ترويها الأجيال جيل بعد جيل فانتصارات أكتوبر حدث تاريخى لا ينضب من البطولات يحمل معه كثير من أسرار المعركة التى استمرت على مدار 22 يومًا. 

بدأ القتال فى 6 أكتوبر 1973 بعبور طائراتنا للخطوط الأمامية للعدو شرق القناة، وتنفيذ الضربة الجوية المفاجئة المركزة بقوة طائرات ضد أهداف الجيش الاسرائيلى فى سيناء، والتى تضمنت ثلاثة مطارات وقاعدة جوية وعشرة مواقع صواريخ هوك، وثلاثة مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة إلكترونية وبعض محطات الرادار، وموقعى مدفعية بعيدة المدى، وثلاث مناطق وشئون إدارية وحصون بارليف شرقى بور فؤاد. 

وقد نجحت هذه الضربة الجوية تماما وكانت خسائرنا فيها محدودة للغاية، وفى الوقت نفسه فتحت المدفعية المصرية نيرانها على طول جبهة قناة السويس، وسقطت على مواقع العدو وقلاعه فى الدقيقة الأولى من التمهيد النيرانى 10.500 فى كل ثانية وهاون، بالإضافة إلى لواء صواريخ تكتيكية أرض / أرض واستمرت المدفعية تصب حممها لمدة 35 دقيقة. 

وتحت ساتر هذه النيران الكثيفة عبرت جماعات الصاعقة ومفارز اقتناص الدبابات شرقى قناة السويس، لتثبت الألغام فى مصاطب دبابات العدو وتشل حركتها بالكمائن، حتى تمنعها من التدخل فى اقتحام قواتنا لقناة السويس. 

ساعة الصفر

وفى ساعة الصفر تمام الساعة 14.20 بدأت الموجات الأولى لخمس فرق مشاة فى عبور القناة، ومعها عناصر من المهندسين العسكريين لتأمين مرور المترجلين فى حقول الألغام المعادية، بالإضافة إلى ضباط ملاحظة المدفعية ووحدات الصواريخ الموجهة تشق عنان السماء بأمر مركزى من مديرى المدفعية، لتصيب أهدافها فى عنق سيناء وتحولها إلى دمار، وكانت تلك أول ضربة بالصواريخ التكتيكية فى تاريخ الشرق الأوسط. 

وبعد عدة دقائق وضع ثمانية آلاف جندى أقدامهم على الضفة الشرقية، وهم يهللون بملء حناجرهم «الله اكبر.. الله أكبر» وبدأوا فى قهر الساتر الترابى المرتفع فتسلقوه بالحبال والأظافر والأنياب، واقتحموا دفاعات الاسرائيليين الحصينة وهم يحملون أسلحتهم الشخصية والأسلحة الخفيفة والمضادة للدبابات. 

سرعان ما رفرفت أعلام مصر فوق سيناء الحبيبة، فارتفع أول علم فى الساعة 14.30 فى نطاق هجوم الجيش الثالث الميدانى وفى نطاق هجوم الجيش الثانى الميدانى الساعة 14.37 والذى كان دفعة معنوية هائلة للقوات اللاحقة أن تسرع بالعبور. 

وفى الوقت نفسه كانت الكتائب البرمائية تعبر البحيرات المرة من الجنوب وبحيرة التمساح عند الإسماعيلية. 

وفى الساعة 14.40 اقتربت بعض طائرات العدو فى مجموعات زوجية وفردية على ارتفاعات منخفضة لقصف قواتنا أثناء اقتحامها القناة، لكن بدأ ضباط المدفعية فى حشد نيرانها على السواتر التى احتلتها دبابات اسرائيل، مما أجبرها على الخروج هربًا من هذه النيران لتتلقفها الصواريخ المضادة للدبابات، وتحولها من دبابة هى أحدث ما أخرجته ترسانة الولايات المتحدة إلى كومة من الحديد المحترق. 

كما أسقطنا أول طائرة إسرائيلية فى الساعة الثالثة إلا عشر دقائق، وقامت القوات بحصار نقاط العدو القوية ومراكز مقاومته وقلاعه الحصينة، وسقط أول حصون اسرائيل القاعة رقم 1 فى منطقة القنطرة فى الساعة 1500تماما، وبدأت القلاع تتهاوى بعدها. 

وفى الساعة 21.15 كانت عناصر دفاعنا الجوى قد أسقطت لاسرائيل 16 طائرة على الجبهة من إجمالى طلعات العدو فى اليوم الأول للمعركة والتى بلغت 262 طلعة دفعها العدو ليلاً.

المهندس المقاتل

وتحت ساتر قوات المشاة ونيران المدفعية تقدمت وحدات المهندسين العسكريين، وقامت بفتح الممرات اللازمة فى الساتر الترابى، وذلك باستخدام مضخات المياه القوية، وفى زمن لم يتجاوز الساعة فى فتح أول ممر منها ثم استكملت فتح بواقى الممرات على طول المواجهة، وفى أثناء ذلك كانت وحدات أخرى من المهندسين تقوم بإسقاط معدات «براطيم» المعديات والكبارى، وتقيمها فوق مياه القناة وبالفعل نجحت قواتنا فى إقامة عدد كبير من المعديات، كما أنشأت 10 كبارى ثقيلة و10 كبارى مشاة وبدأ تدفق الدبابات والمعدات الثقيلة فى الأرض المصرية من الغرب إلى الشرق، وحتى الساعة 15.29 كانت عناصر دفاعنا الجوى قد أسقطت سبع طائرات بين فانتوم وسكاى هوك لاسرائيل. 

خلل السيطرة

وفى الساعة 1600 شعرت القيادة الجوية الإسرائيلية فى أم مرجم بأن قصف الطائرات والصواريخ المصرية للمنطقة، قد أخل بالسيطرة من مركز القيادة فى هذه المنطقة، فقررت نقل السيطرة على القوات الجوية إلى العريش. 

وقامت المدفعية الساحلية فى بورسعيد بقصف القلعة الحصينة شرق بورفؤاد والحصن المنيع عند الكيلو 10متر جنوب بورفؤاد، وقام لنش آخر مسلح بضرب مرسى لاسرائيل فى رأس برون على البحر المتوسط، وفى البحر الأحمر قامت سرايا المدفعية الساحلية بمعاونة الجيش الثالث بقصف مناطق اسرائيل فى مواجهتها، وسرب آخر من لنشات الصواريخ المتمركزة فى سفاجا بقصف أهداف اسرائيل بشرم الشيخ، واستمرت العمليات البحرية طوال أيام حرب رمضان بنفس معدل نشاطها للضغط على اسرائيل وتكبيدها خسائر فادحة، ومع غروب شمس كل يوم كانت تبدأ العمليات الليلية.

عبقرية التمويه

وكان من أهم إنجازات السادس من أكتوبر هو تحقيق المفاجأة بفضل السرية والإخفاء والتمويه والخداع، بالإضافة إلى نجاح دفاعنا الجوى طوال الأشهر السابقة للحرب فى طرد طائرات استطلاع العدو بعيدًا عن مواقعنا، وأيضا نجاحنا فى انتزاع المبادأة من العدو، بعد أن تركناها لهم ربع قرن عربد فيها بأرجاء المسرح واعتدى حتى ظن أنه الأوحد فى ساحة الوغى.