«خيبة أمل!» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

الكاتب علاء عبدالعظيم
الكاتب علاء عبدالعظيم

جلس يتوسل إلى الوحي أن يفتح عليه شيء يقدمه إلى رئيس التحرير، ولكن الوحي أبى وتدلل على الشاب الصحفي الذي قبع في ركن منزو من الصالة الكبيرة بصحيفته، يلعن عقله المغلق الذي يصر على السرحان فهي سهرة الأمس الصاخبة..

رن جرس التليفون، مد يده وتناول السماعة، قربها من اذنه التي مازال يدوي فيها ضجيج الليلة الماضية.. يا لها من ليلة!

وسمع صوتا ساحرا، عذبا يسأل عن زميله صفوت، وكان صوت امرأة، أخذ ينظر إلى مكتب صفوت الشاغر وحسده، ورثى له في نفس الوقت لأنه لم ينعم بهذا الصوت الرخيم..  وأجاب: صفوت مش موجود..  فيه أي خدمة ممكن أقدمها.

 

قال الصوت الساحر: كنت أريد أن أسأله عن نتيجة الثانوية العامة، فقد وعد بأن يخبرني بها.

وجدها فرصة لإطالة الحديث ويستمع بأذنيه إلى هذه الموسيقى الرائعة ويقول لها: يسعدني ان أقوم بذلك.

امتد الحديث بينهما، ونسي رئيس التحرير، ونسي سهرة الأمس، وأخبرته باسمها وعنوانها، ووعدها بأن يبحث عن النتيجة ويأتيها بها.

أحس بهمة لم يعهدها في نفسه، ونشاط لم يشعر به من قبل، ولابد أن يعرف نتيجة الثانوية العامة.

 

أخذ يحلم بأنه كم يتمنى اللحظة التي يقابل فيها صاحبة الصوت الجميل، ويتساءل هل هي في جاذبية سميرة صديقته؟

أم شعر ليلى المنسدل الذي لم تعبث به يد الكوافير، أم دلال ناهد الذي يذكره بمارلين مونرو.. كلا .. كلا.. كيف يشبهها بواحدة من هؤلاء لابد أنها أفضلهن جميعا وحتى لو كانت تشبه واحدة من صديقاته، فإن صوتها فريد من نوعه..

 

إنه نغمة موسيقية حلوة لا تمل الأذن من سماعها، ويكفيه أن يغطي عينيه ويستمع اليها لينسى العالم كله، ويحلق في جو ملائكي لا يقلقه أحد حتى رئيس التحرير.. آه رئيس التحرير، ويتساءل لماذا يذكره في هذه النشوة، ويمكن أن ينساه لبعض من الوقت فلن يضيره ذلك في شيء.

أمسك سماعة التليفون يطلب هنا، وهناك سائلا عن نتيجة الثانوية العامة، وطلب أصدقاؤه ممن لهم صلة بالتعليم، بل طلب وزارة التربية والتعليم حتى عثر عليها، وسأل عن رقم الجلوس الذي أعطته له صاحبة الصوت الساحر..

أصيب بخيبة أمل شديدة، لقد رسب صاحب رقم الجلوس، وهل كتب عليه أن يحرم من سماع هذا الصوت؟!

أثقلت رأسه بالتساؤلات، هل من الضروري أن ينجح كل أحد في الثانوية العامة، وأقنع نفسه بأن الرسوب شيء عادي.

 

لقد قال لها بأنه سيأتيها بالنتيجة. ولم يكن في مقدوره أن يهيئ النجاح لأحد أو الرسوب لأحد، فما هو إلا رسول، حقا كان يتمنى أن يبشرها بالنجاح لكنها ستعرف النتيجة سواء منه أو من غيره، فلماذا لا يذهب هو ويستمتع بصوتها، ثم أنها نتيجة أخيها فما شأنه بأخيها، لابد أن يذهب ويكفيه أن يسمع منها كلمة واحدة.

 

وهرول مسرعا تاركا كل شيء خلفه.. فهل يحرم نفسه من هذه السعادة التي هبطت عليه من السماء من أجل رئيس التحرير كلا.. كلا.

حقا أن رئيس التحرير رجل حازم لا يقبل اعتذار أبدا، وهو يعرف ذلك جيدا.

أصر بأن لا يترك هذه الفرصة الذهبية تفلت من يديه، ثم إنه لا يستطيع أن يكتب حرفا واحدا، وعقله شارد في المغامرة القادمة، ويجب ألا يفكر الآن في شيء يعكر مزاجه.

وما إن وصل إلى العنوان، قادته الخادمة إلى حجرة الصالون، ولم يكد يسألها عن سيدتها التي تريد نتيجة الامتحان، حتى تجمد في مكانه مذهولا وأحس بالعرق البارد يتصبب على جبينه، فقد اكتشف أن ساحرته هي الخادمة التي تعمل في بيت رئيس التحرير.