أخبار اليوم داخل قرية الـ 18 شهيدًا في عاصفة دانيال.. ماذا يحدث هناك؟

محافظ قنا ونائب المحافظ في منزل احد الضحايا
محافظ قنا ونائب المحافظ في منزل احد الضحايا

◄ صراخ داخل كل منزل .. الضحايا دُفنوا في ليبيا والأهالي أقاموا عزاء جماعي 

◄ إعفاء أبناء الشهداء من المصروفات المدرسية .. وصرف إعانات عاجلة لأسرهم 

هنا فقدت الأسرة عائلها الوحيد، فهنا ترملت نساء، وتيتم أطفال، هنا مات شاب «على وش زواج»، وآخر وحيد والديه، و «ولد على 4 بنات»، وشاب كان عائلا لوالدته المريضة بالسرطان، وآخر ترك ابنته المصابة بالتوحد تعاني بمفردها، وهنا فقد الأبناء آبائهم، هنا قصص حزينة لن يستطيع أحد أن ينسى آلامها وأحزانها. 

اقرأ أيضا| إصابة شقيقين في مشاجرة بالأسلحة النارية بقنا

صراخ في كل منزل، قلوب اكتوت بنار الفراق، حزن عشعش في كل ركن، دموع لم تجف في أعين الكبير والصغير، ولولة النساء على الفراق دوت في كل مكان، شوارع اكتست بملامح الحزن، منازل بكت جدرانها حزنا، البكاء على الفراق لن ولم ينته بعد ، مشاهد محزنة ، وقصص حزينة كُتبت على الجميع.

هنا قرية الصياد،  في نجع حمادي،  شمالي محافظة قنا،  والتي اشتهرت مؤخرا بقرية ال 18 شهيدا، بعد أن توفي 18 من أبنائها يعملون في ليبيا، ضحية العاصفة دانيال ، والتي ضربت الأراضي الليبية، والتي راح ضحيتها آلاف المواطنين ما بين ميت ومفقود.

منذ سنوات، خرج عدد كبير من أهالي القرية، للعمل في ليبيا،  بحثا عن لقمة العيش، وما بين وقت لآخر،  كان آخرون يذهبون للعمل هناك، من الأهل والأقارب والأصدقاء، كانوا يعملون هناك، وكان أهلهم ينتظرونهم بفارغ الصبر لحين عودتهم.

ومع كل مرة، يقررون العودة ، كانت الفرحة تعم الجميع، القلوب والشوارع تفرح لرؤيتهم، والقلوب ترقص فرحا، ولكن هذه المرة اختلف الأمر تماما، بعد وفاة 18 من أبناء القرية، جراء عاصفة دانيال في ليبيا،  وتم دفنهم هناك.

ساعات وأيام عصيبة عاشتها القرية المنكوبة، بدأت منذ وقوع العاصفة دانيال، والاعلان عن سقوط ضحايا ومفقودين، وقتها سيطر القلق على الجميع خشية أن يلحق بأبنائهم ضرار أو مكروه،  الكل بدأ يتساءل عن مصير أبنائهم،  فلان ذهب لفلان يسأله " هو ولدك اتصل بك انا بحاول اكلم ولدي تليفونه مغلق"، الخوف والقلق بدأ يزداد، هواتف مغلقة، ووسائل اتصالات غير متوفرة.

ومع كل ساعة تمر ، يعشعش الحزن والقلق على الجميع، فالقلق كسر القلوب ، والدموع بدأت تتساقط من الرجال قبل النساء، وصراخ الأطفال بدأ يدوي في كل مكان، في مشاهد لم يتحملها قلب أحد،  خاصة أن الجميع في حيرة ، تارة يتمنون الوصول إلى أبنائهم على قيد الحياة،  أو حتى مصابين، ومع فقدان الأمل ، تمنوا الوصول إلى جثث ذويهم لدفنها هنا في مدافن القرية، حتى وإن كان ذلك الأمر يزيد فوق حزنهم حزنا، ولكن من باب "إكرام الميت دفنه".

الأمر يبدو مريبا للغاية، الحزن والقلق حل على الجميع، البعض توصل إلى أبنائهم،  وآخرون لم يستطيعوا ذلك، حتى أخبرهم أحد أبناء القرية،  عن سقوط شهداء من أبناء القرية جراء العاصفة،  بدأ بشخص ثم الآخر،  حتى وصل إجمالي المتوفيين من أبناء القرية هناك، وفقا لما أعلنه أهالي القرية والأجهزة التنفيذية في قنا ، إلى 18 شهيدا بينهم شباب وكبار ، ودُفنوا هناك في ليبيا، لتعذر وصول الجثث إلى مصر.

فور سماع أهل القرية الخبر، خيم الحزن على الجميع،  الصراخ وولولة النساء في كل مكان ، المنازل جدرانها اكتست بالحزن، وشوارع القرية، التي كانت تضج فرحًا فور وصول أبنائها من ليبيا، بكت حزنا على فراقهم، والرجال نصبوا الصوان، لاستقبال المعزيين في فقدان أبنائهم،  في عزاء جماعي وسط حالة أبكت الجميع. 

صرخات الحزن كانت مدوية، وقصصها كانت صعبة للغاية، فهنا عبدالله صاحب الـ 17 عاما، وهو طالب في "الصنايع"، عبد الله ولد وحيد والديه ومعه 3 شقيقات، والده كان رافضا سفره للخارج،  إلا أن الابن قرر السفر، منذ 4 أشهر،  حتى يساعد والده ، في مصاريف الحياة اليومية،  وتجهيز شقيقته،  إلا أن حلمه جرفته العاصفة وتوفي هناك،  ولكن القدر منح والديه طفلا ذكرا،  وضعته والدته أثناء تلقيها العزاء في ابنها الوحيد. 

محسوب أحمد بدوي، أحد ضحايا العاصفة،  يعول أسرة، كان يكدح ليل نهار، حتى يوفر لقمة العيش لأبنائه الثلاثة، " بنتين وولد"، وكان يجهز ابنتيه للزواج، ولكنه توفي قبل أن يكمل حلمه ،  وكذلك أحمد القط، يعول أسرة ووالده توفي منذ قرابة سنة، وهو ابن وحيد، ومعه ابنته مصابة بالتوحد.

أما كرم عبد العاطي، فمتزوج من ليبية، وتوفي هو وزوجته وطفلتيه،  ويعول والدته، المصابة بالسرطان، وكذلك العم نفادي والعم عشري، تركوا من خلفهم أطفالا ونساء ،  كانوا العائل الوحيد لهم.

أحمد سمير ، هو الابن الذكر الوحيد لوالديه، ومعه 4 شقيقات، كان الجميع ينتظر عودته، خلال هذه الأيام،  ليتزوج، بعد أن جهز نفسه ومسكنه للزواج، وكغيره من الضحايا،  لم يمهله القدر أن يرى الفرحة في عيون شقيقاته ووالديه. 

الحاج سمير، والد الشاب أحمد، فقد أعصابه،  بعد سماعه خبر وفاة نجله الذي كان ينتظر عودته، وردد قائلا :" كان نفسي أخدك بالحضن ..كان نفسي أفرح بك قبل ما أموت.. كنت اتمني أن يجعل الله يوم وفاتي قبلك، وفي النهاية تمنيت أن أودعك وأدفنك هنا ولكن حتى ذلك لم أستطع فعله".

يقول الحاج سمير، إن نجله كان يعمل لفرحة شقيقاته ووالديه،  " كان نفسنا نفرح زي ما هو عايز يفرحنا"، وبالرغم من صغر سنه، إلا أنه قرر السفر للعمل في ليبيا،  ولا يعود إليهم إلا على فترات متباعدة ،  لمساعدته في الإنفاق على أسرته وتجهيز نفسه للزواج.

وتابع: ابني كان المفترض أن يعود للقرية،  لخطبته على أحد فتيات القرية، كان قبل وفاته فرحان جدا بالخطوبة وقدومه لإتمام ذلك، لكنه " عريس في الجنة ان شاء الله ".

وانتقل اللواء اشرف الداودي، محافظ قنا إلى قرية الصياد بمركز نجع حمادي ، لتقديم   واجب العزاء  لعدد من الأسر بالقرية ، في وفاة ١٨ فرد من أبناء القرية جراء عاصفة " دانيال " الذي وقع بدولة ليبيا ، رافقه الدكتور حازم عمر نائب المحافظ ، و حسن عثمان وكيل وزارة التضامن الإجتماعي ، و المهندس أشرف عبدالسلام وكيل وزارة الكهرباء ، و احمد السيد وكيل وزارة التموين ، والدكتور علاء شاكر مدير وحدة تنفيذ برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر ، والمهندس مجدى ايوب رئيس قطاع رى قنا غرب ، و أشرف أنور رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة نجع حمادي .

كما أدى محافظ قنا ومرافقوه ، وعدد من أهالي القرية صلاة الغائب علي الشهداء ، و وجه المحافظ ، وكيل وزارة الأوقاف بتعميم صلاة الغائب علي ضحايا الإعصار في جميع مساجد المحافظة ، عقب صلاة الجمعة غدا.

كما قدم محافظ قنا أحر التعازي لأسر الشهداء ، داعيا الله أن يدخلهم فسيح جناته ، و يلهم أهلهم الصبر والسلوان ، مشيرا إلى أنه تم صرف إعانة عاجلة لجميع الأسر المتضررة ، ووجه وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بإتخاذ الاجراءات اللازمة لإعفاء أبناء الشهداء وأفراد أسرهم ، من مصاريف المدارس ، ودعم أسر الشهداء بالمواد الغذائية اللازمة ، مشيرا إلي أن وزيرة التضامن الاجتماعي وجهت بصرف تعويض مالي بقيمة ١٠٠ الف جنيه لأسرة كل متوفي ، و ٢٥ الف جنيه لأسرة كل مصاب ، بعد تقديم واستيفاء الأوراق اللازمة لكل حالة.