أما قبل

البداية من هنا

إبراهيم المنيسى
إبراهيم المنيسى

قرر البرازيلى روجيرو ميكالى المدير الفنى للمنتخب الأوليمبى ضم ثلاثة لاعبين شبان من المحترفين بالخارج لقائمة المنتخب الذى يجرى تحضيره لدورة باريس الأوليمبية. والثلاثة هم: عمر فايد لاعب فناربخشه التركى وبلال مظهر لاعب باناثينايكوس اليونانى ومصطفى أشرف لاعب مونشنجلادباخ الألمانى ويتابع جهاز المنتخب الأوليمبى عددا من المحترفين الشبان بالخارج..

خبر تناقلته وسائل الإعلام هذا الأسبوع ونرى فيه نقطة تحول مهمة فى مسار الكرة المصرية الراغبة فى الإصلاح.. والبداية من هنا!

فتح أبواب الأندية أمام ناشئيها ليخرج الموهوبون منهم للخارج فى سن صغيرة وبتجارب جادة هو الحل لكثير من مشاكل الكرة المصرية التى تستعصى مسابقاتها وأحوالها الداخلية على الحل لأسباب كثيرة تحتاج لاستعراض ومناقشة حقيقية لاحقة.. 

الاستثمار فى الناشئين طريق يجب أن يسلكه الجميع.. الأندية تحتاج لتغيير مفاهيمها وأفكارها وسياساتها.. غير معقول إهمال قطاعات تدريب الأشبال بالنوادى لتترك لمدربين شباب غير مؤهلين وفاقدى الخبرة فقط لأن رواتبهم ضعيفة وكلفتهم محدودة.. واهى ماشية!

الكثير من قطاعات الناشئين بالأندية بها كوارث حقيقية.. فكرة الفريق الاستثمارى الذى يسيطر عليه من يرغب فى  تحقيق مكاسب مالية من خلال فرض آلاف الجنيهات على ولى أمر الناشئ مقابل تسجيل اسم نجله بالفريق وإتاحة الفرصة له للعب أملا فى الانتقال  لنادٍ أكبر.. وكله بحسابه؛ هذا أمر لابد من التصدى له ومكافحته.. ليس فقط حماية للغلابة ولكن لتوفير الفرصة المناسبة للموهوبين فعليا وتمكين الكفاءات منهم..

لدينا مشكلة فنية حقيقية يشكو منها المدربون الأجانب الذين يتولون تدريب المنتخبات والفرق الأولى بالأندية وهى أن الكثير من اللاعبين الكبار بالأندية يفتقدون أساسيات الكرة.. التسليم والاستلام أبسط مهارات الكرة مفقودة للأسف لدى هؤلاء.. مدربون كبار يضطرون لتعليم اللاعبين المحترفين وأصحاب العقود العالية مهارات اللعب الأساسية من تمرير وتحرك واستلام وضغط وغيرها.. مهارات كان لابد للاعب تعلمها من الصغر. لكنه للأسف لم يجد من يعلمه بعدما تولى تدريبه مدربون يفتقدون هم فى الأصل فنون ومهارات اللعبة وخبراتها..

نحتاج لتطوير جاد فكريا لقطاعات الناشئين وليس فقط بضخ الأموال والسعى للاستثمار الذى لن يتحقق على نطاق واسع وحقيقى من دون تأهيل الكوادر فنيا وإداريا والكشف المبكر عن الناشئين المميزين الذين صاروا هم أيضا نادرين بسبب غياب التعليم والتدريب الحقيقى فى ظل هوجة الأكاديميات وتأجير الملاعب بمراكز الشباب التى يجب تفعيل دورها الإيجابى لرعاية وتدريب الناشئين..

بناء الهرم يبدأ من أسفل، وتجربة المغرب خير دليل.. إذ أنهم بعد الإخفاق الكبير للمنتخب فى كأس الأمم ٩٨ أعلنوا عن المشروع الطموح المتكامل باستدعاء المدربين المغاربة المهاجرين لفرنسا وغيرها ونظموا مراكز إعداد الناشئين ضمن مشروع أطلق عليه مشروع الملك محمد السادس وطافوا مدن وقرى المغرب، ومازالوا ينظمون هذه الحركة الكشفية سنويا تنقيبا عن المواهب المميزة فى سن صغيرة ورعايتها فى الأكاديميات الوطنية ثم تسهيل انتقال الموهوبين منهم للأندية الأوروبية، فكانت النتيجة كما تابعها العالم كله فى مونديال الدوحة الأخير وبلوغ أسود الأطلس نصف  نهائى كأس العالم وتهديد عرش  الكبار..

الأندية الصغيرة قبل الكبيرة  لدينا، يمكن أن تستفيد اقتصاديا الملايين إذا ما انتهجت فكرة التنقيب الجيد بالقرى والنجوع والحوارى والمدن عن الناشئين الموهوبين ورعايتهم بمدربين فاهمين ثم تسهيل التصدير المبكر لهذه المواهب الواعدة.. ويمكن اجتذاب مدربين كبار للعمل بقطاعات الناشئين مقابل نسبة مالية مستحقة لهم نظير كل ناشئ يتم بيعه داخليا أو خارجيا..

نحتاج كذاك لتوفير حوافز تعويضية كبيرة ومشجعة للأندية التى تتلقى عروضا لبيع ناشئيها للأندية الأوروبية تحديدا وتحتفظ هذه الأندية لنفسها بنسب من عوائد البيع المستقبلية لهؤلاء اللاعبين مع أنديتهم الخارجية التى تعد فاترينة عرض كبيرة لهؤلاء اللاعبين.. وتجربة نادى المقاولون العرب مع النجم العالمى محمد صلاح نموذج شاهد..

تأخرنا كثيرا فى فتح أبواب الأندية أمام اللاعبين الموهوبين وقتلتنا النظرة الضيقة فى المنافسة الداخلية وصراعاتها التى يمكن أن تشتد وتقوى إذا ما وجدت الوفرة المالية والمناخ الاستثمارى الجاد والقوى المحركة.. 

سبقتنا تجارب أفريقية كثيرة ولكن أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى..

كرة القدم يمكن أن تكون من روافد الدخل القومى الحقيقية.. لو أردنا..