يوميات الأخبار

حُلم أقتسمه مع ٨ مليارات.. إلا قليلاً!

علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب

ألا تشاركونى الحُلم ـ مجرد حُلم ـ بأن يدفع العقلاء والبسطاء العالم، فى اتجاه عكسى نحو تباشير سلام، وأن يلوح ولو من بعيد.. بعيييييد؟!

الخميس:

سألت نفسى مناجياً:

ما الحلم الذى تتمنى أن يتجسد واقعاً معاشاً قبل أن يأذن الله بأمره؟.

أجبت بلا تردد، وبصوت تردد صداه بقوة؛ وفى كلمة واحدة:

السلام.

أكمل دون أن تعاود نفسى السؤال:

السلام باعتراف جميع الأسوياء أجمل ما يتمناه البشر على مر التاريخ، وإن ظل أمنية عزيزة المنال فى كثير من التجارب الإنسانية!.

الشوق للسلام فى كل مراحل العمر، لازمنى كظلى، ولا يعرف قيمته إلا من كابد آثار الحروب، وعانى ويلاتها، فمنذ أدركنى الوعى، أو بدقة أكثر، فإن طفولتى وجيلى تم قطافها قبل الأوان على وقع نكسة ٦٧، التى محا عارها نصر أكتوبر ٧٣، لكن لا المنطقة، ولا العالم استظلا بسلام، فأصل الصراع ظل قائماً، ونزاعات وحروب باردة وساخنة، أهلية وبالوكالة، استمرت مستعرة على مدى عقود هى حصاد العمر الذى تشارف شمسه على المغيب.

أجيال وراء أجيال، ومجتمعات ودول وأوطان، لم ترتو من ينبوع السلام المراوغ، بفعل أطماع ساسة، وتجار حرب، وعباقرة فى رسم خرائط الصراعات، .....، .....، والمحصلة تحويل الحلم المشروع بتعايش إنسانى يستظل بسلام وأمن وأمان، إلى مجرد سراب زائف.!

لكن الحالمين، وأزعم أنى بين صفوفهم، والبسطاء وأشرُف كونى انتمى إليهم، لن يكفوا عن ممارسة حقهم فى التطلع إلى تحقيق حلمهم، أو على الأقل السعى مع الساعين لتغيير الواقع المؤلم، عبر تبنى أى فكرة خلاقة شجاعة تنبذ الأنانية والكراهية والشقاق، وتؤسس لتطبيقات راقية لمفهوم حقوق الإنسان، جوهرها وفى القلب منها طموحٌ صادق لكتابة عقد جديد ينعم معه كل البشر، باعتبارهم شركاء متساوين فى الحقوق والواجبات، تترجم بنوده مفهوماً للسلام، الذى لا يتأسس إلا على العدل، لا بالقوة، ولا بتوازن القوى، ولا بموازين الرعب، ولا بدفع العالم إلى حافة الهاوية، وشيطنة الآخر، ورفع شعار «من ليس معنا فهو ضدنا» و... و...

ربما أطلقت العنان لخيالى، لكن لا بأس.

عند هذه اللحظة من المونولوج الذاتى، والتداعى الحر، توقفت فجأة متسائلاً:

هل شطحت بالخيال بعيداً، أم أكون أنا من ابتعد به عن تُخومه؟.

لا أظن ثمة فارقا جوهريا، لاسيما عندما يوشك المرء أن يكون ضمن ضيوف الله على الأرض، وقد تجاوز خريف العُمر.

ألا يكفى أن ما أتصوره حلماً يبدو مستحيلاً، أو خيالاً شاطحاً، فإنه يقيناً حلم السواد الأعظم من سكان المعمورة الثمانية مليارات، ولا يشذ عن الأغلبية الساحقة إلا الأغبياء، والطامعون، والمجانين من أحفاد نيرون، والإرهابيين، والمتطرفين، ومن يقف خلفهم داعماً أو محفزاً من أصحاب المصلحة فى استمرار الحروب مشتعلة، والنزاعات مستعرة، ومَن سار على نهج هؤلاء وأولئك!

إلا تسعين ثانية!

الجمعة:

«الشىء بالشىء يُذكر».

هكذا قالت العرب.

فالحديث يستدعى ما يشبهه، أو حتى يناقضه.

الذاكرة تنتعش، والفضل أحياناً يكون لمعلومة أو خبر تسمعه أو تقرأه، وإذا بمخزن الذاكرة ينشط، وهذا ما حدث بالضبط حين قرأت عرضاً لملامح تقرير «مؤشر السلم العالمى» فى نسخته الأخيرة.

من فورى تذكرت ما قرأته قبل شهور، ربما فى مطلع العام، من تحذير أطلقه مشروع «ساعة القيامة»، بأن توقيت الساعة بات منتصف الليل إلا تسعين ثانية، أى أن البشرية لم تكن يوماً أقرب لنهاية العالم، إلى ما هى عليه الآن.

«اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا»

«اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا».


رددت الدعاء مرات عدة، لم يكن خوفاً على نفسى، بقدر ما كنت مشفقاً على الأحباء، ثم على وطنى، ثم على كل البشر ممن لا ذنب اقترفوه سوى أنهم يعاصرون من يدفعون البشرية إلى حتفها دون وازع من ضمير، أو كوابح من أخلاق، ولو فى حدها الأدنى!

«ساعة القيامة» ـ لمن لا يعلم ـ توقيت رمزى لنهاية العالم، هدفها قياس احتمالات حدوث كارثة عالمية، ومن ثم الدعوة للعمل على إعادة العقارب للوراء، بعد أن بلغ البشر أقرب نقطة على الإطلاق لنهاية الحضارة، إذ العالم لا يزال عالقاً فى لحظة خطيرة للغاية.

يا إلهى لطفك بعبادك.

ما الذى قادنا إلى هذه اللحظة العبثية بامتياز؟.

عددت نشرة علماء الذرة المشرف على الساعة اللعينة الأسباب: الحرب الروسية/ الأوكرانية، التهديدات البيولوچية، الانتشار النووى، الكوارث المناخية،  وحملات التضليل التى ترعاها حكومات، والتقنيات التخريبية التى باتت فى متناول من لا يقدرون العواقب الوخيمة للعبث بها،.....، ..... ،.......

كان التقرير الرهيب قد غاص فى الذاكرة، لكن بصدور «مؤشر السلم العالمى» فى منتصف العام، عاد تحذير «ساعة القيامة» ليثير فزعى من جديد!
المؤشر يطلق إنذاراته مضيئاً كشافاته الحمراء، ويكفى فقط عرض عينة مما ذكره، فالنزاعات السائدة أصبحت أكثر تدويلاً، إذ انزلق لمستنقعاتها ٩١ دولة، وارتفع عدد الوفيات جراء الصراع العالمى بنسبة ٩٦٪ ، وتزايدت مستويات الصراع فى نحو ٨٠ دولة، وارتفعت معدلات المهجرين واللاجئين والمشردين بنسب غير مسبوقة و..... و......

هل أزيدكم تحذيراً أو تنبيهاً؟. لكن ماذا عساكم فاعلين، والبشر أجمعين مفعول بهم من جانب طغمة باغية تتفنن فى إشعال الحروب ولا تفكر، ناهيك عن أن تسعى لإطفاء نيرانها المستعرة؟.

ألا تشاركونى الحلم ـ مجرد حلم ـ بأن يدفع العقلاء والبسطاء العالم، فى اتجاه عكسى نحو تباشير سلام، وأن يلوح ولو من بعيد.. بعييييد؟!

لا تنتظروا الصدفة أو المعجزة

السبت:

ربما كان عزائى، مع كل محب للسلام، ومتطلع إلى بزوغ شمسه، ولو جزئياً، أن البشرية تمر بمرحلة انتقالية، إلا أن المخاض خلالها يتجاوز جميع السوابق التى شهدتها التجارب الإنسانية عبر التاريخ.

لكن ثمة حقائق يجب ألا تغيب عن العقول والضمائر القلقة إزاء ما نشهده على المسرح الصاخب الدامى، بطول وعرض المعمورة.

لنتذكر معاً أن السعى لتغيير الواقع، مهما كانت قتامة ملامحه، يبدأ بحلم.

لنعى معاً أن تحقيق الأمانى مهما عُظمت ، مرهون بإرادة تغيير لا تلين.

ثم إن هناك ـ دائماً ـ قدرات كامنة لابد من تحفيزها، حتى لا تكون الساحة خالية إلا من قوى الشر وفعلها الآثم، فى إصرار شديد!.

ثم أخيراً، وليس آخراً، لنتذكر ونعى فى آن واحد، أن كل ما فى الحياة إلى تغيير دائم، وتشكل مستمر، وأن الأساس فى كليهما الحركة المستديمة، التى يحكمها قانون صراع الأضداد، ومقابل القوى المروجة للحروب، هناك القوى الداعية للسلام، وعلى مر التاريخ، فإن التغييرات الحاسمة لا تكون وليدة صدفة، أو معجزة، وإنما تستند إلى مجهود متواصل، يمضى على قدمين: تفكير غير تقليدى، وإرادة تغيير مشفوعة بتحفيز الإمكانات والقدرات اللازمة لبلوغ الغاية المأمولة.

القادم ينبت من قلب القائم، ناسخاً الكثير من جوانبه السلبية.

ثم إن ما يبدو متواضعاً أو ضئيلاً من تغييرات كمية، سوف تأتى تلك اللحظة التى تتحول عندها إلى تغيير كيفى أو نوعى، يختلف بدرجة ما عن الحال الراهن، بل قد يتباين جذرياً فى بعض جوانبه.

ما يجب أن يشغل بال كل الطامحين للسلام، تهيئة دواعيه، والسهر على تحقيق شروطه، مهما كان الأمر صعباً أو شاقاً أو طويلاً، لأن السلام لا يستقر إذا استند الى تجميد أوضاع ظالمة، تحكمها علاقات جائرة.

اغتنموا لحظة المخاض

الأحد:

أى متابع للمشهد العالمى الراهن، باختلاف المواقع، لا ينكر أننا بصدد الاقتراب من عالم جديد، وأن كل ما يحدث ـ على صعوبته البالغة ـ إنما هو علامات المخاض، وبقدر ما تقاوم القوى المحبذة لاستمرار دوران عجلة الحروب، فإن على كل محب للسلام وداعٍ لأن يسود التحرك، والتشبيك مع من يشاركه ذات الطموح، لبناء سلام قائم على العدل.

لحظة المخاض ليست محايدة، ولا تمنح فرصاً مجانية، لكنها تتيح لمن يملكون إرادة التغيير وأدواته، وصياغة تحالفات قادرة على فرض نفسها، المضى قدماً لأن ترى أفكارهم النور، وألا يكتفوا بمعرفة كيف يحلمون، فالأهم أن يتعلموا كيف تتحول أحلامهم إلى واقع، وحقيقة ناصعة.

أوصيكم وأوصى نفسى بضرورة التقارب بين كل من يدعو لسلام عادل، وأن تكون ثمة رؤية تجتمعون حولها، وعليها، رؤية تتجاوز ما يجب أن يكون عليه مستقبل البشر فى ظل بشائر سلام حقيقى، أكرر، إلى كيف يمكن تحقيق هذا الحلم؟.

...............

أخيراً، أقر واعترف أنا كاتب هذه السطور، أن الخيال سيطر على كثير مما طرحته، وأن الحلم كانت جرعته متعاظمة، غير أن العمر من جانب، واللحظة التاريخية التى كُتب علينا أن نحياها من جانب آخر، تسمح، وربما تفرض وتدعو إلى رهان غير تقليدى على وعى القوى المحبة للسلام، وقدرتها على الفعل المتراكم مهما بلغ تواضعه، وحاجته لنفس طوييييل، فى مواجهة قوى داعية للحرب من موقع المتجبر، المحتكر لكثير من مفاتيح القوة.

من حقى وحقك، وحق كل إنسان ، أن يحلم بعالم يسوده السلام لكل البشر.