حريات

الشيخ ياسين

رفعت رشاد
رفعت رشاد

كنت فى طريقى إلى مدينة 6 أكتوبر فى صحبة سائق مهذب يتمتع باللياقة فى التعامل فخفض من صوت جهاز تشغيل الأغانى بعدما لاحظ أننى مستغرق فى قراءة بعض الأوراق. بعد قليل تصاعد من الجهاز صوت الشيخ ياسين التهامى بقصيدة «والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي». حافظ السائق على صوت الجهاز منخفضا لكنى قمت برفع الصوت استمتاعا بأداء الشيخ ياسين خاصة أن سماع الطرب - كل ما يطرب وليس الأغانى فقط - ليلا يزيد المتعة. استغرقت فى الاستماع للمداح الأول على مدى ما يزيد من أربعين عاما استطاع خلالها أن ينشر شكلا وأداءً جديدا للمديح وصار محبوب العاشقين فى حب الله والرسول وطوع قصائد الصوفية لتكون من البساطة بحيث تتناسب مع آلات الموسيقى وقدرة البسطاء على فهمها. 

فى نهاية سبعينيات القرن العشرين بدأنا نسمع عن ياسين فى الصعيد وكان أقاربى الذين يعيشون فى القاهرة والإسكندرية يأتون خصيصا إذا علموا أن احتفالا سيمدح فيه ياسين. وغزت شرائط الكاسيت التى تحمل مديحه كل أرجاء الصعيد وكل السيارات التى تنقل الناس بين القرى وصار كل شاب ورجل يحفظ قصائد مديح ياسين بأسلوب إلقائه ويفهم العبارات الواردة فى القصائد بصورة كان يصعب على أى منهم فهمها لو لم ينطق بها ياسين. 

من سماته ومزاياه أنه دارس لما يتعامل معه من حيث اللغة والقدرة على حفظ قصائد كاملة كانت مهجورة لا يعرفها إلا قلة من الدارسين أو المحبين. مثل ياسين يتركون بصمة لا يسهل نسيانها خاصة فى ظل آلات تسجيل وتصوير تنتشر فى يد كل فرد وهذا من حسن حظه وحظ محبى أدائه، وهذا ما أفاد أيضا عم جابر أبو حسين وسيد الضوى راويا السيرة الهلالية مع عبد الرحمن الأبنودى فقد خلدا اسمهما. بعد أن استمعت واستمتعت بياسين اكتشفت أن السائق قبطى وأنه يحفظ قصائد ياسين كاملة!!