إنها مصر

الصفقة ومستقبل حماس!

كرم جـبر
كرم جـبر

الشغل الشاغل الآن هو عدم اقتحام رفح الفلسطينية، منعاً لتصفية القضية الفلسطينية، وإفشال خطة نتنياهو التى تستهدف "تقطيع" غزة، وتحويلها إلى مناطق منعزلة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.

ورغم سخونة الأحداث وسرعتها، إلا أن موقف الدولة المصرية من خلال متابعة الأنباء المتداولة يشير إلى الهدوء والتأنى وعدم التسرع أو الغضب، ودراسة كل الاحتمالات لبناء تقدير موقف سليم، يساعد فى الوصول إلى الهدف المُلِح: عدم اقتحام رفح.

وإذا كانت أمريكا وإسرائيل وأوروبا وغيرها من الدول لا تعترف بحماس وتعتبرها منظمة إرهابية، فقيام مصر بالوساطة بين حماس وإسرائيل يفتح الآفاق لبحث مستقبل حماس فى اليوم التالى لانتهاء الأعمال العسكرية الإسرائيلية فى غزة.

فنجاح الصفقة المصرية يهيئ الأجواء لتكون حماس طرفاً فى التسوية السياسية التى تستهدف حل الدولتين، وأن تنتقل من العمل المسلح إلى المشاركة السياسية، التى تقود إلى وقف إطلاق النار وبدء إعمار غزة وفتح ملفات القضايا العالقة الصعبة بين إسرائيل والفلسطينيين.

وأكدت حرب الشهور الستة الماضية أنه لا يمكن استبعاد حماس نهائياً من مباحثات الحل النهائي، من واقع سيطرتها الميدانية على الأوضاع فى غزة، وفشل إسرائيل فى القضاء عليها رغم عمليات الإبادة الجماعية وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين.

أما اقتحام رفح فهو الكارثة الكبرى التى تحذر منها مصر ومعظم دول العالم، واحتمالات سقوط أعداد هائلة من الضحايا تفوق ما حدث منذ أحداث طوفان الأقصى، ولا يمكن التنبؤ بمصير الأحداث بعدها.

فإسرائيل ترسم خطة على الورق بتهجير المدنيين إلى مناطق خيام وسط وشرق غزة قبل الاقتحام، وهو ما فعلته فى الشمال وفشل بشكل كبير ولم يقضِ على حماس وقدرتها على الصمود.

وفشلت تماماً الشائعات التى تطلقها إسرائيل بشأن الموقف المصرى، تارة بالزعم أن مصر تعطل دخول المساعدات، رغم أنها الدولة التى تقدم أكثر من ثلاثة أرباع المساعدات، وتفتح المعبر طوال اليوم لإدخال الشاحنات واستقبال الجرحى.

وفشلت أيضاً ادعاءات تهريب الأسلحة إلى حماس عبر المنفذ الحدودى، الذى تحيطه مصر منذ سنوات بإجراءات تجعل التسلل عبره مستحيلاً، من أجل أمنها واستقرارها وسيطرتها على كامل حدودها، قبل أى اعتبارات أخرى.

ولأسباب شخصية تتعلق بالأوضاع الداخلية فى إسرائيل، يسعى نتنياهو إلى تنفيذ مخططات جنونية غير محسوبة العواقب، أملاً فى تحقيق انتصار يجمِّل صورته، وينقذه من المطالبة المتصاعدة باستقالة حكومته وفتح ملف جرائم الحرب فى غزة.

الشغل الشاغل الآن هو عدم اقتحام رفح الفلسطينية، حتى لا تتراجع القضايا الأساسية وفى صدارتها وقف الحرب، إلى اهتمامات أخرى وإدانات واسعة إذا حدث الاقتحام، وتضليل الرأى العام حول مزاعم الخطر الذى تمثله حماس.

وقوة مصر فى هدوئها وعدم انفعالها وتحملها أعباء كبيرة فى إدارة أزمة تحولت من شرق أوسطية إلى عالمية.