«الماسورة والحلال 3».. مسرحية للكاتب محمد نبيل

الكاتب محمد نبيل
الكاتب محمد نبيل

 الفصل الثالث

جبل الحلال

 

الصحراء الشاسعة القاسية بمفرداتها الطبيعية, الجبال الرواسى التي تلهم الرجال آيات من الانتماء والإباء , تشي لهم بأسرارها , تحدثهم ويحدثونها، فتحفظ السر عندما يطيل المقاتل النظر إليها، فيصرخ سره الصامت معلنا عن خفايا كان قد اعتزم عدم البوح بها، سابقا في مبتدأ ارتحاله من قريته المختفية وسط زراعات جنوب الوادي في حضن جبل، كذلك الصامت الموحش للعابر, الخليل الودود للعاشق, يحدثها وقت الراحة.

 

 نعيم المقاتل القديم وهو الذي حفظ آيات إنجيله تحت ظل كهوفها وكأنه يترهبن لسويعة او أقل مدى منها وربما يزيد عن نصفها, وكثيرا ما بكى فقدان أمه الحنون الضعيفة الواهنة المنحنية الظهر, راكعة كانت طيلة عمرها لربها وكأنها تخفي في أحشائها أولادها الثلاث نعيم الكبير صاحب العمر الشقى وأخيه الأوسط فهيم الخواجة صاحب العينين الزرقاوتين والكلثومين الحمراوين وكأنه دائم الخجل وهو غير ذلك على الإطلاق, هو الولد الشقى الذي تعاكسه بنات القرية وتطلبه لهن أمهاتهن, لكنه عند أمه ليس مكمن ثقتها.

 

 فتلك الأم المجتهدة من مرضها وعملها وأولادها وسفر شريك حياتها للعمل بأحدى مشروعات الوطن القومية في حضن شمس بنبان يبني مع زملاء العرق جبل جديد من الطاقة الكهربائية هو على يقين أنه قد لا يرى من سنا أشعتها الجديدة الوليدة في آفاق المستقبل , لكنه مؤمن كأجداده أن يبنى لأحفاده شيئا ينير لهم قليلا حتى يستكمل القادمون بناءه لمن يأتي بعدهم وهلم جرة تلك سلسلة أولها عن أدم وأخرها عند الجنة ,

 

وبجوار الولدين الصبيين كانت صبية وردة, اسمها وردة أبانوب القمص متري, هذا اسمها الذي وهبها إياه جدها لوالدها فقد كان عاشقا لابنه البكر أبانوب وزوجته ابنة أخته الوحيدة وردة التي كانت توأمه طيلة ثلاثين عاما من اللذة والنقاء والابتسامات الصاخبة التي ملئت حقلهم ومزارع الحقول المجاورة بهجة , حتى خطب أبانوب ابنتها وفارقت التوأم وردة توأمها للأبد بعد اكتمال إكليل أبانوب ونجاح ابنة وردة، ويومها أعلن الأب أن أول حفيد له من ابنه وابنة أخته وردة سيرث أحب الأسماء لقلبه وردة أو ورد , أيهما وجاءت وردة وهي التي منحها الرب كل حظ اسمها , ندية , مشرقة , باسمة , حانية , معطاءة , كانت رغم صغرها عن أخويها نعيم وفهيم إلا أنها كانت الأم الصغرى يزدان بها البيت الصغير المتواضع المطل على قيراطين ونصف هم كل أملاك أبانوب ونجاح من الدنيا لكنهم لم يكونوا الإرث الوحيد لأبانئهم الثلاث

 

 فقد اجتهدت نجاح أن تمنح الذرية الثلاث محبة بينهم ومع جيرانهم بل وطاولت فروع المحبة بيوتا غير متجاورة كانت يسكنها أناس ليسوا من أسرتهم المتفرعة لكنهم من أهل الصعيد الذي لا يعرف إلا المودة في القربى, فصاحبت نجاح صديقتها الصدوق وجارتها البعيدة بخمس منازل لكنها القريبة لقلبها والمشاركة لآلامها، فقد كانت أم محمود تعرف جيدا وخز الحقن فكانت تأتيها كل ليلتين بعد المغرب لتعطي نجاح حقنة الروماتويد التي وصفها لها حكيم مركز سمالوط , الدكتور قسطنطين, وكثيرا ما اعتادت أم محمود وهب الشمع وتذره على مذبح كنيس سمالوط وتدعى لابنها محمود بالفلاح وصلاح الحال , وتعودتان معا نجاح وأم محمود يتسامرا ويتشاكسا مع بائعي سوق الخضار الذين ينتظران صباح كل يوم اثنين مجيىء هاتان السيدتان المشعتان بهجة ومحبة, ومن هنا كانت تربي نجاح أولادها على حب الناس وعشق الأرض وزرع فيهم إرثها , وكذلك يفعل والدهم أبانوب , دائما ما يحكى عن عمله في بنبان ويقارن بين صور كده بملامح متشابهة لكد جده الذي شارك المصرين بناء السد العالي، وكان يحكى لهم عن معاناة الحفر والبناء وصعوبة التعايش في تلك البيئة إلا أنهم أصروا جميعا على تحدى أمريكا وصندوق النقد والبنك الدولي,

 

كان مازال يحفظ عن جده تلك المسميات الدولية التي لم يقرأ عنها إطلاقا خلال دراسته حتى دبلوم الصنايع قسم كهرباء الذي حصل علية بشق الأنفس ! كما كان يحكى لأولاده , ويحكى أن جده من علمه السياسة وعلمه من السياسة أمرا واحدا وهو : " أن تعمل لتأكل  حتى تملك قرار حياتك وحياة أبنائك" تلك المقولة لأحد بناة السد العالي جد أبانوب، كان أبانوب يرددها على أولاده حتى كانوا يسبقونه بقولها بطلاقة مدوية ممزوجة بالضحك وخالية من الملل ..

 

هذه حكايات وأسرار نعيم لجبل الحلال الذي عشقه كما عشق جبل المنيا, كان يسر له بأشياء عجيبة , ويقاطعه الجبل :" أيوه بس بتحكي ليه كل التفاصيل ديه " هكذا كات شفتا نعيم تتمتم وهو يهمس لأذنيه فقط متقمسا شخصية جبل الحلال , وهو يرد عليه :" طب مش انت يا عم جبل صاحبي, ما هو يا نتصاحب يا نتعادي, وأمى وصتني على أرض مصر أول ما لبست الميرى , هو انت بقى مش حتة من أرض مصر ومش انت أخو جبل المنيا برضه , والا أيه".

 

ويفيق نعيم على نداءات عادل المتلاحقة ختى أنه يرفع رأسه تجاه الصوت ومازالت روحه لم تغادر حديثها مع الجبل, فلم يعد بعد نعيم للحياة إلا عندما وكزه عادل :" ااااه , أخينا , انت لسه ممسوس بالجبل, اياكش ياخدك ونرتاح من جنانك ده, فوق وتعإلى القائد عماد عمال ينده في الصول فرج علشان يجمع الرجالة وحضرتك لسه في العزلة , يا بوى ما فيش خلوة في الجيش , اما تخلص جيشك ابقى روح خلوتك في جبل المنيا اما جبل الحلال ده جييييش , فاهم يعنى أيه جيش"

لم يسمع نعيم من صراخ عادل سوى أخر كلمة " فاهم يعنى أيه جيش" وظل يرددها داخله حتى تسربت من أعماقه إلى فمه حتى وصلت لسمع عادل "جيش" فردد عادل :" أيوة جيش يا سى نغيم , جيييييش".

 

وانتقضا المقاتلان واتكىء نعيم على كتف عادل , فقد أصابت قدمه اليمنى بعض التصلبات من طول جلسته في خلوته مع صديقه جبل الحلال، حتى أنه أدرك وهو يسير غير معتدل القوام أنه سافر مع جبل الحلال ختى امتزجا جسدا واحدا في خلوة صلاة أجهدت قدم نعيم التي ظنها إحدى رواسي جبل الحلال, وحدث نفسه :" كده برضه يا جبل أمشى معاك للمنيا تاخدني للسد العإلى , ولسبعين سنة ورا , تشكر يا عم جبل , أهو رجلى مش قادرة تشيلنى من طول المسافة وبعد الزمن , عاجبك كده , زمايلى يقولوا على طرى وانا اللى حاسب نفسى حتة منك صلب زيك , ماشى يا صاحبى".

عادل : أخينا فوق لحسن تاخد أسبوع في سجن الكتيبة الصول فرج ما بيرحمش

نعيم : ماشى يا عم , أنا فايق أهوه يا بلد , وزي الفل .

عادل : (ساخرا): زى الفل باين عليك اتسطلت من الحشيش اللي في الجبل وعملت دماغ.

نعيم : (مندهشا) حشيش حشيش أيه؟! يا بلد

عادل : القائد عماد قالنا في وقت الراحة بعد التدريب وانت في كهفك غايب عنا , إن التكفيريين زارعين حشيش في حضن الجبل وإنهم بــ ..

نعيم : (يقاطعه) استنى حشيش أيه ولاد ال ,,

عادل : اصبر استنى وفي المحاضرة دي حاتعرف كل حاجة عن حبيبك جبل الحلال اللى ما بقاش فيه جوه حاجة حلال ههههههه.

 

 

يجتمع الجنود مربع ناقص ضلع كما اعتادوا عند تلقى التدريب النظري, خلفهم على بعد عدة أمتار تهدأ محركات المدرعات ناقلات الجند التي أقلتهم إلى تلك النقطة بعيد عن منطقة تمركز وحدتهم الأساسية في جبل عجرود, يبدأ اكتمال وصول الجنود بعد قضائهم نصف ساعة راحة بأوامر القائد بعد انتهاء ساعات التدريب العملي والرماية بالأسلحة المختلفة فقد تدرب كل مقاتل فيهم على التصويب والضرب بكل أنواع الأسلحة ذات الأعيرة المختلفة من البندقية الإلى إلى الرشاش المتعدد إلى النصف بوصة وقاذف الا آر بى جيه , وإطلاق دانات الهاون , حتى احترفوا جميعا الرماية , ليلا كما هى بذات الدقة نهارا , عناء التدريب ذهب بغباره وارتوت الحناجر عندما قال لهم الصول فرج احنا حانتمركز هنا لحد الأوامر ما تيجى باللى احنا كلنا عايزينه.

يبدد شتات الذهن ويوقف سيل اجتهادات ومحاولات التوقع بالقادم نداءات مقتضبة وحازمة وسريعة

الصول فرج : فصيلة انتبااااه ..

يقف الجميع ممشوقا كأسنة جبل الحلال

 

الصول فرج : فصيلة صفا .. فصيلة انتباه .. ثابت مكانك ,, ثابت يعنى ما فيش حركة ولا كلمة ولاهمسة , لو دبانة وقفت على وشك سيبها مش واقفة على العسل يعنى , لو تعبان قرصك ثابت مكانك مكانش قرص مارلين منرو , أنا حا الفي ادى تمام رجالة انتوا فاهمين يعنى ايه رجالة والا المرة ديه حايكون الجزاء منى مش سجن, حا يكون رجوع لوحدتك وسط زمايلك وشوف بقى حا تقولهم أيه ؟! رجعت ليه ؟! مش راجل زى الرجالة اللى أنا اخترتهم بنفسي علشان مهمة الشرف , ها , فصيلة صفا ,, فصيلة انتباه

 

يلتفت الصول فرج في حركة ممشوقة القوام مثالية الأداء رافعا يمنه بالتحية العسكرية للقائد جاهرا صوته :" تمام يا اااا فندم الفصيلة بالكامل تمام

القائد عماد : ( يرد التحية العسكرية بإتقان متناهي) يغادر الصول فرج من نقطة التمركز في منتصف مقدمة الفصيلة إلى يسار الفصيلة بجوار الجماعة الأولى وهو بسير في خطوات نموذجية لصف الضابط المنضبط

 

القائد عماد يتقدم خطوات تجاه الفصيلة ذات الجماعات الثلاثة وبصوت جهوري قوى كأنه يثبت للجبل أنه يشبهه، هكذا كان بنظر إليه بإعجاب الجندي مقاتل نعيم ويهمس إلى أعماقه : شوفت يا جبل أهو الرجالة كلها شبهك اوعاك تظن انى مخبول بحبك زى امى ما جالت , وانت سمعتها وهى بتوصينى عليك , انى مش لوحدى هنا اللى حاسس بيك , يظهر كمان القائد عادل اهو بيتحداك , والا يكونش بيحبك زى تمام , اثبت يا جندى لحسن تروح في طوكر الصول فرج على بعد خطوة منى لو سمع صوت الجبل جواى يودينى في ستين سلامة , اسكت يا نمرة ولم نفسك.

يستكل القائد عماد : النهاردة يارجالة انهينا تدريبات اللياقة البدنية والرماية وتدريبات ميدان الموانع وكلكم عارفين تتعملوا بالبوصلة في اليل زي النهار , وحفظتوا كل شبر في قطاعنا المسئولين عنه , عايزكوا ما تنسوش الهيئات الحكامة ولتحفظوا القطاع قدم قدم وتبة تبة وكودية كودية حتى حبة الرمل تعرفوا تفرقوها عن اختها , ديه ارضكوا ملك اجدادكوا , في حد ممكن ما يعرفش ارضه ؟! , وهو في أرض ما تعرقش صاحبها ؟ ! يمكن معظمنا أول مرة يجى وسط سينا ويعدى القناة بس افهموا كويس إن علشان نعدى القناة ما كنش بالساهل كدة , اللى قبلنا ماتوا واندفنوا في قاع القناة أو هنا في رمل سينا علشان أيه يارجالة ؟

(ينادى حتى يزلزل القطاع ويرد له جبل الحلال صداه ) : علشان أيه يارجالة؟

الأبطال في نفس واحد :  علشان نورثها حرة يا فندم

القائد عماد : أيواااا , صح يا رجالة علشان نورثها حرة ونورثها للى بعدينا حرة , فاهمين يا رجالة

النهاردة أنا جمعتكوا علشان ناخد التلقين الأخير ونوزع المهام

نعيم : يا بركاتك يا عدرا

عادل : يا نور النبى أخيرا .. اللهم صل عليه

( يهمهم المقاتلون الله أكبر .. الله أكبر)

 

القائد عماد : تمام يا رجالة الله أكبر فعلا احنا على العهد مع أجدادنا نسلمها حرة لأولادنا حتى لو متنا كلنا هنا نسلمها حرة للى يجى من بعدنا , تمام يا رجاله

الجميع : تمام يافندم ( يطلقون التمام من داخل صدورهم ليس نحو سمع القائد عماد بل صوب جبل الحلال الذي يتباهى بإخوانه فهو أديم هذه الأرض التي طرحت كل هؤلاء الرجال , يتباهى جبل الحلال مرسلا هزاته عبر طبقات الأرض متخللة أزمنة ليست ببعيدة إلى الوراء حتى مقر الأرض التي احتضنت رفات شهداء الماسورة والمتناثرة على ربوع مصر في دمياط والدقهلية والمنيا والشرقية والقاهرة وقنا تلك البقاع المضيئة بأجساد ستة عشر شهيدا من شهداء رفح الأولى, أغسطس الفين واثنى عشر , والسابع عشر من رمضان ألف وأربعمائة وستة وثلاثين, ويزف جبل الحلال إلى بقاع الرفات معلنا الثأر)

ينادى القائد عماد : ثابت .. ثابت الفصيلة

ويبدأ في توجيه المهام المكلفة بها الفصيلة ,,

ويأتي الدور على الجندى نعيم

القائد عادل : عريف مقاتل نعيم أبانوب القمص

نعيم : ( معلنا وجوده بتلبية تتحدى الحرام المحتل لأخيه جبل الحلال ) تمااااام يااااا فندم

القائد عماد : انت يا نعيم حكمدار الجماعة الأولى ما حدش يخرج من المغارة السادسة والسابعة اللى عرفت اتجاهها لكم إلا على جثتكم فاهمين يا رجالة

نعيم وجماعته : فاهمين ياااا فندم

القائد عماد : لو رافع إيده ومستسلم اتأكد كويس إنه مش ملغم نفسه وإنه مش انتحاري من التكفيريين عايز يخدعكم ويستغل شهامة المقاتل المصرى وهو مفخخ نفسه علشان يقتل خمسة والا عشرة منكم ( محذرا ) فاهمين قصدى كويس يا وحوش.

نعيم وجماعته : فاهمين يا فندم

 

يتوجه القائد عماد إلى العريف عادل : أنا عارف كويس يا عادل انك بتحلم بتارك لأخوك الشهيد طارق اللى استشهد في مذبحة رفح الأولى , بس كمان عارف إنى باعتمد على راجل زى أخوه الشهيد البطل , يعنى ما تخليش تارك يدفعك للتهور والا ألغى لك مهمة قيادة الجماعة الثانية وأخليك في المؤخرة , اوعى يا عادل انت مهمتك حيوية ويتوقف على أدائها باتقان حماية وتأمين الحد الشرقي للقطاع السابع من القوة المكلفة بالمداهمة , أنا واثق جدا في تدريبك المتقن لكن لو مش ...

 

العريف عادل (يرفع يده اليمنى إلى محاذاة القايش في علامة للاستأذان بالكلام) ويقول: أرجوك يا فندم أنا عايش ميت لحد ما اخد بتار أخويا وخطيبتى من الأنجاس دول , أبوس إيدك يا فندم اضربنى بالنار هنا وأنا راضى وادفنى ادام جبل الحلال وانا راضى بس ما تحرمنيش من المهمة أرجوك يا فندم , أنا فاهم كويس المهمة وعارف حساسية تنفيذها ومش ممكن حاخذلك ابدا ولا حا خذل اخويا وخطيبتى ولا حا خذل بلدى , أرجوك يا فندم..

 

القائد عماد : (مقاطعا ) انشف يا بطل تمام, أنا واثق من إنك راجل وأدها .

 

ويستكمل القائد عماد تعليماته إلى بقية العناصر حتى ينظر في ساعته وينادى في الفصيلة : فصيلة انتباه خمس دقائق ويصل قائد قوة المداهمة بنفسه عايز يتأكد من استعداد كل واحد من رجالة قوة المداهمة

وينادى القائد عادل : ثاااابت , ويلتفت مؤديا التحية لقائد قوة المداهمة : تمام يا فندم الفصيلة المسئولة عن القطاع السابع تمام يا فندم

يتسلم القائد الأعلى رتبة الطابور وينادي بصوت يتفاجىء منه عادل , فصيلة صفا , فصيلة انتباه ويبدأ في التوجيه بتعليماته إلى المقاتلين

العريف عادل  (متفاجىء ويتحدث إلى نفسه): يااااه العميد كمال أبو نور معقولة يارب اللى انا سامعه وشايفه , نور انت معايا هنا , انت انت سمعانا وشيفانا انا وباباكى , يا ااااه يا رب قوينى حب عمرى جه لحد هنا , يا ترى جايا نور تقوينى والا ؟

 

ويسرح إلى أن ينتهى سرحانه بطرف ابتسامة مضيئة , تملىء عينين السوداوتين الواسعتين التي كانت نور تتغزل فيهما , وتناديه عندما يصرخ بعينيه فيها بـــــ عمرررر, عمررر

يفيق , يعود عادل ويقول أنا عادل يانور مش عمر الشريف بتاعك وكعادتها تملأ سمعه طربا بضحكاتها الصاخبة البريئة , ويرفع رأسه عائدا إلى وعيه ليجد أن من ينادى عليه بــ عمر هو العميد كمال , وبندهش عادل , وتفضحه عيناه الكاشفتان لقاع أعماقه , فيبادره العميد كمال وكأنه يلتقطه من محيط أسئلة هائجة , يلف يمينه على كتف عادل ويصطحبه إلى مسير يمتد لعدة خطوات خارج محيط الفصيلة , حتى يتحدث معه منفردا وهو يظن أنه قد انفرد بعادل ولم يدرك أن اثنين يحدقان ويستمعان إلى همسه لعادل وهما جبل الحلال ونور , ويطمأنه : يا ابنى نور كانت بتحكى لى عن كل صغيرة وكبيرة بينكم , ما تنساش إنى كنت أبوها وامها بعد وفاة والدتها رحمة الله عليها وكمان كنت صديقها اللى بتشكى له من مشاكلها معاك , وأنا السبب في إصلاح كثير من مشاكلكم دون أن تعرف انت .

 

عادل : مندهشا ولا يستطيع أن يعبر عن مشاعره المختلطة بين الشوق الذي هاجمه بحضور شخص لم يتوقع حضوره على الإطلاق مع إنه كان يحدث نفسه عن هذا الشخص وابنته, وبين عزيمته الفولاذية في الثأر لأخيه وخطيبته حبيبة عمره , وبين عشقه هو الآخر لجبل الحلال الذي أسر إليه سبب اجتهاده في التدريب ليختاره القائد عماد ضمن قوة المداهمة ليأتي إلى الجبل يقتص لشهدائه , بل وهذا الجبل يعرف ما هو أكثر من ذلك , يعرف عن الغزل والعشق والوجد والوله الذي أصاب عادل وهو ينظر إليه، ويسر إليه عن محبوبته نور التي كانت حكاياتها كمشاعل تضيء ليلة وتؤنسه مع جبل الحلال حتى تعرف عادل على كل ملامح جبله الصديق والكاتم لسره , وهذ الجبل هو من ربت على كتف عادل عندما بكى أخيه الشهيد وخطيبته الشهيدة , حتى أنه حفظ سره العظيم وهو بكاء عادل وهو من كتم صراخه عن سمع الآخرين حتى لا يقولون صغيرا يبكى فراق أخيه أو صبوا فضحته دموع عيناه, هذا الجبل الصديق يعلم جيد من هى مريم ومن هو طارق ومن هما عادل وكمال !

 

يحنو القائد كمال على العريف عادل وينصحه :" يا ابنى كلــــ 

(يقاطعه ) عادل : ابنك الله , قولها تانى يافندم , وحشتنى كلمة يابنى

كمال : ااااااه (يتنهد) ويطلق زفيرا طويلا مستمرا للسماء يردها جبل الحلال كصفير ناى يبكى بشجن

عادل : كانت بتفرح أوي لما تسمع حضرتك تنادينى يا ابنى , كانت بتقول أخيرا جه لبابا ابن وجالى اخ

(تخنق العبرات صوت عادل فلا يصل إلى خارج صدره ويتحول إلى نحيب متقطع وبكاء طفل اندفع في حضن والده إلى يجد في حضنه الأب والأخ والحما والحبيبة وكل تاريخه الماضى منه والقادم ) عادل يجد نفسه التي اجتهد ليخفيها داخله لم يسمع عن أخبارها سوى ذاك الجبل الصديق الذي لم يخذله فكان مستمعا لبقا حانيا عطوفا على عادل من غدر هؤلاء القتلة اللذين اغتالوا ماضيه ومستقبله , هم من قتلوا براءة ظفولة حرموها اللعب مع الأخ الاكبر , وهم من بددوا آمال عاشق كان يبنى غده حبا وطربا , هم من مزقوا أوتار الحب .

 

يهدىء كمال من روع عادل حتى يسير الحوار بينهما هادئا : عادل يا بنى كلنا هنا لينا تار مش تار أخوك وخطيبتك نور بنتى وبس لا تار بلد كل ما تقف يحاول الأنذال والحقدة إسقاطها , تار أم ربت وما فرحتش بوليدها عريس , تار بنت انتظرت رجوع أبوها وما رجعش ولقيت نفسها من غير سند والدنيا نساية , فاهم يعن أيه نساية , وتار فرحة عيد ما كملتش في صلاة كنيسة وتار صلاة جماعة اتجمع دم أصحابها نهر أحمر يبكى , تار وتار كتير وكتير يا بنى , خد تار كل دول وغيرهم مش بس تار أخوك وخطيبتك , وينظر لعين عادل مبتسما ومداعبا ماشى يا عم عمر ويضحك عادل ويضحك كمال ويعودان إلى المربع ناقص ضلع ويستكمل في ثبات المسئولية العميد كمال تعليماته لكل أفراد قوة المدهمة في القطاع السابع.

 

العميد كمال : معلش يا رجالة أصل العريف عماد معرفة قديمة وواسطته عالية أوى , أوى أنا مش بخبى على رجالتي أى شىء , علشان أرد على استفسار كل واحد فيكم مرة واحدة وبعدين نكمل التعليمات ,  عارفين عادل يبقى خطيب بنتى الوحيدة نور.

 

(يهمهم الجميع , وينظر بدهشة الصول فرج , ويلتفت إلى عادل القائد عماد مرسلا أسهم أسئلته عبر نظرات خاطفة للعريف عادل تشى بدهشة وإعجاب لعدم إفصاح هذا المقاتل عن علاقته بالقائد الأكبر والأعلى رتبة في الشرق )

 

يستعجل القائد كمال ويبادر الجميع مطلقا قذيفة مدوية تصيب الجميع بالوجوم : ابنتى الشهيدة نور

(يسود الصمت لثوان تشبه مرور السنوات الثقال, ويعود الحراك وتجىء الهمهمات المفهومة هذه المرة والواضحة الرسالة : الله يرحمها , رحمها الله , ربنا يصبرك يا فندم)

القائد كمال يستكمل: العدو الليلة يا رجالة مش حاسس بوجودكم لكن بعد الحصار اللى حانفرضه عليه اعتبارا من اليوم 12 فبراير 2017 ولمدة سيحددها صبره ومدى استحماله هو لاننا وببساطة مش حا نفك الحصار إلا واحنا منضفين جبل الحلال بكل مغاراته وكهوفه ومساربه ومدقاته من التكفيريين اللى اتخذوا من الجبل قاعدة لوجستية لإمداد الجماعات الإرهابية المختلفة في أسمائها والمتفقة على هدف واحد وهو إسقاط مصر.. ممكن مصر تسقط وفيها رجالة زي الورد زيكوا يارجالة.. ممكن؟!..

 

(يرد الجميع : لأ ياااا فندم , نفديها بدمنا يا افندم ولا يدخلها خسيس جبان)

يكرر نعيم ورد ورد الله , بركاتك يا عدرا , ورد اسم اختى والاسم اللى جدى كان عايزه وكان بيحكى لنا عليه , ورد , وحياتك يا عدرا لا نخليهم يدوقوا شوك الورد ولا يطولوا م الورد ولا يقربوا منه , عهد على يا عدرا , أنا عارف إنك سمعانى ياعدرا في السما وشايفانى, عهد ووعد لاقطع رجبايهم بشوك الورد , عهد يا عدرا , وانت ياعادل أتريك يا خوى شايل هم جد الجبل , شايف يا عم حلال , طلع صاحبى وصاحبك عادل جبل هو التانى مش انت لوحديك اللى جبل!

 

القائد كمال : تم تقسيم قادة الحصار والمداهمة لتسع قطاعات على طول الجبل وعلى مسافة الستين كيلوا متر, زمايلكوا يمينكوا وشمالكوا ليهم مهمة تمام شبة مهمتكم لكن مع تخصيص بعض التفاصيل , لازم تكونوا عارفين , إن التكفيرين نصبوا حقول ألغام حولين الجبل , وليهم عيون وكاميرات مراقبة علشان كدة لازم نكون على بعد من خمسة لستة كيلو متر من سفح الجبل علشان ما نديهومش فرصة يكتشفونا ولازم نقبض على أكبر عدد منهم من عيونهم اللى حا تخرج م الجبل أو تدخل ليه علشان رجالتنا يعرفوا يستجوبوهم كويس ونعرف أكبر قدر من المعلومات , علشان كدة يارجالة التعامل بالنيران في حال هجوم أى واحد منهم أو اشتباه إنه مفخخ نفسه , وغير كدة يتم القبض على التكفيريين مفهوم يا رجالة , لحد ما تصدر الأوامر باقتحام الجبل

(الجميع .. الله أكبر .. الله أكبر)