وحي القلم

صالح الصالحي يكتب: ماذا بعد؟!

صالح الصالحي
صالح الصالحي

عشت أياما طوالا.. مررت فيها بمحن وأزمات، انكسار وانتصار، سعادة وشقاء.. عاصرت أزمات وإخفاقات وفتوحات ونجاحات. عشت سنين عجافا وأخرى رخاء.. شهدت بنفسى وكنت شاهدًا على التغيرات، أحداث وثورات، حروب وسلام.. تنمية وبناء.. تطور وازدهار، منذ التليفون أبو قرص حتى المحمول.. عاصرت التليغراف والخطابات «البوستة» وعشت عصر الإنترنت والفضاء الفسيح.. وقد يطول بى العمر لأعيش عصر الذكاء الاصطناعى الأيام تمر والسنون فى عجل.. والحياة متسارعة.. والتطور رهيب.. والصراع محتدم.. يا ابنى لم أعد احتمل.. لم أعد قادرًا على العيش فى عزلة فرضها علينا الإنترنت.. أبنائى لم يعودوا يأتون لزيارتى مكتفين بالاطمئنان على عبر فيديو على المحمول.. لم أعد استطيع أن أعيش فى ظل برد أسرى قارس فى ليلة صيف شديدة الحرارة.. لا أتصور أن يأتى يوم أرى نفسى أمارس حياتى جالسا على كرسي كالقعيد.. إنها الحياة الافتراضية عبر الإنترنت «الميتافيرس» لا أطيق أن أرى نفسى فى فيديو وأنا فى هذا العمر أهذى بأشياء وأفعال وأمور تنسب إلىَّ بهتانا وزورا.. انه الذكاء الاصطناعي.

لا أعلم إلى أى مدى يريدون الذهاب بنا تحت شعار التطور والحداثة وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات الشيطانية.

بالطبع أنهم لا يستهدفون من هم فى عمرى، فأنا فى أرذل العمر.. وانما يستهدفون الأطفال والنشء والشباب يريدون نسف معتقداتنا، ونزع ما تربينا عليه من عادات وقيم وتقاليد.. يريدون تغييب عقولنا.. يروجون للانحلال والإباحية، حتى يصبح غير المألوف، بل والمرفوض دينا وخلقا مألوفا ومباحا ومتاحا، يريدون ضربنا فى مقتل من أجل فرض عالمهم، وقبول قيم الطاغوت.. من أجل أن نتوه أكثر وأكثر ونبتعد عن الدين والمعتقدات.. من أجل أن نسلم لهم أنفسنا طواعية وبإرادتنا الحرة، ليستعمروا أرضنا وينهبوا ثرواتنا، بعد أن يستعمروا عقولنا، ويسيطروا على حواسنا.. فيوجهوننا كيفما شاءوا.. ولم لا؟! فهم فى طريقهم إلى زرع شريحة فى جسم الإنسان يتحكمون بها فى كل شىء، ويعلمون من خلالها كل شىء عن صاحب الشريحة.

يا ابنى إنه عالم ملىء بالمتغيرات، فيروسات لا نعلم مصدرها، وعلاج لا نعرف مدى تأثيره على صحة الإنسان.. حروب وصراعات صنعوها لخلق أزمات اقتصادية تخنق العالم أجمع، وتبيد الفقراء والمستضعفين وتشردهم فى الأرض.. وفواتير تدفعها بلادنا لمنعها من النهوض والتقدم والتنمية.. يا ابنى رغم اننى ادعو الله ألا يطيل عمرى أكثر من ذلك، حتى لا أعيش فى هذا العالم الشيطانى.. إلا أننى أخشى على الأجيال القادمة.. أخشى على الأحفاد وابنائهم، أخاف على بلادنا وعلى أرضنا. أخشى ما نخشاه أن نصل إلى حالة يصعب الرجوع عنها.. يجب أن ننتبه، ونحصن أبناءنا.. ونحميهم ونحافظ عليهم وعلى بلادنا وأرضنا وعرضنا، فما هى فائدة العيش إذا لم نفعل ذلك؟

يا ابنى نعيش الآن أيام أعياد.. أيام بركة ورحمة وتعاطف ومودة.. علينا ان نستغل مثل هذه الأيام التى وهبها الله لنا لنعلم أبناءنا الحكمة منها.. ولا ندعها تمر علينا مرور الكرام منشغلين فى أكل اللحمة وطرق صنعها وفوائدها وأضرارها وما شابه.. علينا أن ننتبه لابنائنا ونعلمهم ما يحصنهم ويحميهم وينجيهم.
رسالة قارئ عجوز جداً.