كانت الرسالة الأساسية والأولى التى لم يحد عنها أبدا هى الانتماء والحب الدائمان لهذا الوطن

صاحب المدينة الفاضلة.. عبدالسلام عيد يفوز بجائزة النيل

جدارية الإسكندرية على سور مستشفى القوات المسلحة
جدارية الإسكندرية على سور مستشفى القوات المسلحة

■ كتبت: منى عبدالكريم

إذا كان نهر النيل كما تحدث عنه الفنان عبدالسلام عيد من قبل يحكى الرحلة من البداية للنهاية، فقد جاء حصول الفنان السكندري الكبير مؤخراً على جائزة النيل هو كذلك تتويجا لمسيرته الفنية وشاهدا على مشواره الحافل ليس فقط بالإنجازات والجوائز، إذ سبق وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى 2005، وجائزة الدولة التشجيعية فى التصوير عام 1991، وغيرها من الجوائز، بل أيضا شاهدا على ذلك المشوار الملىء بالإبداعات لاسيما جدارياته الرائعة التى تضمها شوارع الإسكندرية، ومن بينها: على سبيل المثال لا الحصر جدارية كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية التى صممها ونفذها بمساحة 200 متر مربع عام 1997، وجدارية كلية الطب بجامعة الإسكندرية التى صممها ونفذها بمساحة 400 متر مربع عام 1996، وغيرها من الجداريات التى تصافح أعين أبناء الإسكندرية، بل وكان لها دور فى الارتقاء بالثقافة البصرية لعموم الناس وربطهم بالفنون الجميلة، ليكسر عيد بفنه ذلك الحاجز بين الجمهور والفن التشكيلي.

لكن الجداريات التى تحمل اسم الفنان عبد السلام عيد قد امتدت كذلك إلى الوطن العربى بل والعالم أجمع، إذ صمم ونفذ جدارية قاعة المؤتمرات الكبرى بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية عام 1993، وكانت واحدة من أشهر الجداريات التى نفذها جدارية «المدينة الفاضلة»، التى تمت بدعوة من اليونسكو لمشروع متحف «تونى جارنيه» للجداريات بمدينة ليون الفرنسية عام 1993، إذ تم اختياره من بين ضمن ستة فنانين من جميع أنحاء العالم، ليشاهد إبداعاته آلاف من السياح يزورون هذا المتحف سنويا.

وعبدالسلام عيد فنان موسوعى الثقافة، انعكست رؤيته الثاقبة وثقافته فى منتجه الإبداعي، فى رحلة مع الفن امتدت لأكثر من خمسين عاما حتى قبل تخرجه فى كلية الفنون الجميلة بجامعة الاسكندرية عام 1969، فلم يتوقف إبداعه على الجداريات فحسب بل تضمن كذلك التصوير والنحت وغيرها، حيث كتب عنه د.مصطفى الرزاز «عرك هذا الفنان المتميز أطياف التعبير الفنى- التصوير والرسم والكولاج والنحت والجرافيك بأنواعه والفوتوغرافية واللوحات الجدارية والعمارة والعمل الفنى المركب فى الفضاء والفنون الزخرفية بأنواعها المختلفة وتعامل مع برامج الإضاءة والحركة فى مجسماته وتراكيبه المعمارية ذات الطابع المستقبلي،ومن الناحية الأسلوبية فهو رسام ومصور واقعى متمكن لا يخلو من الشاعرية والرومانسية وحسن التكوين وطرافته. وهو تجريدى خالص ذو طابع هندسي متعامد أو يتعامل مع شرائط قطرية أثيرية تقطع تلك المتعامدات فى تدبر محكم، وهو تبقيعى يتعامل مع نشع الصبغات على الورق الرطب، وهو «دادي» فى تأطير أشياء دارجة كقرن الكبش أو بيضة النعامة أو المقهى أو السجاد داخل إطارات «فخية».

◄ اقرأ أيضًا | الفنان السوري سعد يكن يحاضر عن «أزمة التعبير عن التراث في الفن التشكيلي»

وعلى هذا الثراء والتنوع، بما فى ذلك كون الفنان عبد السلام عيد لا يتوقف عن التجريب، كانت الرسالة الأساسية والأولى التى لم يحد عنها أبدا هى الانتماء والحب الدائمان لهذا الوطن وهذه الأرض التى حملت سمات عبقرية الإنسان المصري عبر العصور.

■ جدارية البنك الأهلي المصري

فعيد فنان سكندري ولد بحى الحضرة بالإسكندرية عام 1943، وتأثر بثقافة المدينة البصرية، كما عايش فترة الستينيات بكل تأثيراتها الفكرية والثقافية والسياسية، ليقول عنها «نحن جيل اعتركنا تغيرات وتحولات كثيرة عاشتها مصر» .. 

وهو يقول حول تلك المؤثرات التي تركت بصمة فى وجدانه «عندما أنظر إلى السنين التى حملت مشوارى الفنى ألمح آلافاً من الأعمال... لوحات وكتابات وخامات ومجسمات... وأشياء وأشياء... ألمح آثار قدرى... ألمح البداية... كانت الطبيعة المرئية فى بداية الرحلة هى كل شئ... هى التى علمتنى قوانين الشكل... علمتنى كيف أتأمل الأشياء... كنت أرقب الأرض... والبحر... والسماء فى مرايا الخيال، كنت أطل مأخوذا بما تركه المبدعون فى كل الفنون وفى كل العصور عبر تاريخ الإنسان... كنت مبهورا بعالمنا الذى يتجدد كل يوم، وها أنا ذا أولد كل يوم... أحمل بسمة الرضا وعرفاناً بالجميل لكل الذين تعانقت أيدينا بأيديهم في رحلة عشق... الخير... والحق... والجمال.» 

■ جدارية كلية الطب

والفنان عبدالسلام عيد كذلك كان دائما مهتماً بربط الفن التشكيلي بالإنسان وقضاياه، وكذلك قضايا مجتمعه  إذ نجده مثلا خصص أحد معارضه لمناقشة قضية العنف ضد المرأة.. تلك التى كتبت عنها الفنانة والناقدة د. أمل نصر عندما يتوقف فنان كبير مولع بالتجريب وبلغة الشكل أمام قضية مهمة مثل قضية «العنف ضد المرأة» فالأمر يستحق إشادة كبيرة، وذلك لعدم انطواء الفنان منعزلاً فى عالم طوباوى بعيداً عن مشكلات مجتمعه، وسعيه لتقديم رسالة اجتماعية بلغة أخرى تدعو لإعلاء قيمة المرأة ورفع الكثير من أشكال الظلم عنها. 

جدير بالذكر أن جائزة النيل جاءت بعد عدد كبير من الجوائز والتكريمات، فقد تم تكريم الفنان بملتقى الأقصر الدولى فى دورته الرابعة عشرة عام 2021، وحصل على الجائزة الأولى فى بينالى الإسكندرية الدورة الحادية عشرة لدول حوض البحر المتوسط 1976، وحصل على جائزة لجنة التحكيم فى بينالى القاهرة الدولى الرابع 1992، وجائزة خبير تجميل المدن من منظمة المدن العربية 2003.كما سبق وأن مثل مصر فى العديد من المحافل الدولية، فبخلاف اختياره قومسيراً لجناح المصرى فى بينالى فنيسيا الدورة (51) عام 2005،  فقد مثل مصر فى بينالى فنيسيا الدولى عام 1984 بمجسم تحت مسمى «المدينة» واختارته اللجنة العليا للبينالى كواحد من أهم عشرة أعمال فى هذه الدورة.

وقد تخرج الفنان فى كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية عام 1969، وحصل على الماجستير من نفس الكلية عام 1975، أما الدكتوراه فقد حصل عليها من أكاديمية الفنون الجميلة أوربينو بإيطاليا عام 1979. وعلى مدار ما يقرب من خمسين عاما شارك فى العديد من المعارض الجماعية المحلية والدولية كما أقام عددا كبيرا من المعارض الفردية.