حبر على ورق

قنبلة «عراب» الذكاء الاصطناعى

نوال مصطفى
نوال مصطفى

جيفرى هينتون اسم معروف فى العالم كله، إنه من أوائل الذين اخترعوا ما يسمى بتكنولوجيا «الذكاء الاصطناعى».

ففى عام 2012، أنشأ واثنان من طلابه الخريجين فى جامعة تورونتو تكنولوجيا أصبحت النواة الفكرية لأنظمة الذكاء الاصطناعى التى تعتقد أكبر شركات التكنولوجيا أنها مفتاح المستقبل.

خرج هينتون فجأة على العالم من خلال حوارات مع جريدة النيويورك تايمز وإذاعة البى بى سى يعلن تحذيراته القوية من «الذكاء الاصطناعى» مؤكدا أنه سيكون سلاحا خطيرا يمثل تهديدا للبشرية.

أخذنى الفضول لأستمع إليه فى واحد من تلك اللقاءات، وعندما سألته المذيعة قائلة: نحن لا نعلم تحديدا كيف يعمل العقل البشرى، فكيف تؤكد أن العقل الاصطناعى سوف يتجاوزه ويتحكم فى مصائره؟

رد جيفرى هينتون قائلا: التوقعات التى وصلت إليها الآن أن نوع الذكاء الذى نطوره يختلف تماما عن الذكاء الذى لدينا نحن البشر. نحن نعيش بأنظمة بيولوجية طبيعية، والذكاء الاصطناعى مكون من أنظمة رقمية.

والاختلاف الأساسى بينهما هو أن الذكاء الاصطناعى لديه العديد من النسخ من نفس مجموعة الأوزان، ذات النموذج للعالم، وكل هذه النسخ يمكنها التعلم بشكل منفصل لكنها تتشارك المعلومات بشكل فورى.

كأن لديك عشرة آلاف شخص، فى اللحظة التى يتعلم واحد منهم شيئا، يعرفها الآخرون بشكل آلى، وهذا هو السبب فى أن هذه الأجهزة تعلم أكثر بكثير مما قد يعرفه أى شخص فى العالم. (GPT4) مثلا يتفوق على الإنسان فى كمية المعلومات التى لديه بفارق كبير. لكن ليس بنفس المستوى حين يتعلق الأمر بالمنطق.

لكنه يستطيع القيام بعمليات تحليلية بسيطة. لذلك، ونظرا لسرعة التطور، نتوقع أن يحدث ذلك بشكل سريع جدا. ولهذا فعلينا أن نقلق إزاء هذا الأمر.
وأكد جيفرى مخاوفه قائلا: حاليا الذكاء الاصطناعى ليس أذكى من الإنسان، لكنه قد يصبح كذلك قريبا. استقال الرجل من وظيفته فى جوجل حيث عمل لأكثر من عقد، ليتمكن من التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعى.

ذلك الذى اعتبره الخبراء فى صناعة التكنولوجيا نقطة تحول هائلة، بل يصنفونها باعتبارها النقلة التكنولوجية التى سوف تغير وجه العالم. وأنها الأهم منذ عقود حيث يمكنها أن تسهم بشكل هائل فى الأبحاث العلمية، والاكتشافات الطبية وغيرها من المجالات.

هذا هو الوجه الجميل للاختراع أما الوجه القبيح الذى استقال الرجل لكى يبرئ نفسه ويريح ضميره من ذنبه فهو أن البعض سوف يستخدم هذه الوسيلة فى إطلاق معلومات خاطئة، ولأهداف مغرضة.

الحقيقة أن كلام جيفرى أزعجنى لأننى واحدة ممن يتعاملون مع التكنولوجيا بحذر، ولا أتركها تسيطر علىّ مثلما تفعل مع الكثيرين، والغريب أننى استقبلت مسمى «الذكاء الصطناعى» منذ تم اطلاقه و تداوله والتغنى بمآثره بكثير من التوجس وعدم الارتياح، لكنى بصراحة لم أعلن ذلك صراحة حتى لا أتهم بالتخلف وعدم القدرة على مسايرة التقدم والتطور التكنولوجى بطفراته الخارقة.

والآن يخرج علينا واحد من أهلها، ليس أى واحد، بل الأب والعراب لهذا الذكاء الاصطناعى محذرا، مشاركا مخاوفه الخطيرة مما صنعت يداه، وولدت أفكاره!