خبير آثار يكشف أسرار موقع جزيرة تنيس بـ «بحيرة المنزلة»

جزيرة تنيس بـ «بحيرة المنزلة»
جزيرة تنيس بـ «بحيرة المنزلة»

كشف خبير الآثار طارق إبراهيم ومدير عام آثار بورسعيد والمنزلة، أن «تنيس» جزيرة تقع في بر مصر بالقرب من البر ما بين الفرما ودمياط. وكانت أكبر جزر البحيرة وأقربها لمخرجها الرئيسي «اشتومها» وربما تمثل في موقعها هذا بقايا إحدي ضفاف فرع من فروع النيل القديمة. 

وأضاف إبراهيم، أن ذلك يتفق إلى حد بعيد مع ما ذكره المقريزي من أن مدينة تنيس كانت تقع علي الفرع التانيسي قبل أن يصب في البحر بقليل علي شريط من اليابس.  

ويقول اليعقوبي "فأما المدن التي علي ساحل البحر المالح فأولها الفرما ثم تنيس وهي مدينة يحيط بها الــبحر الأعظم المالح وبحيرة يأتي ماؤها مـن النيل"وأضاف المقديسي " أنها جزيرة صغيرة قد بنيت كلها مدنية وهي جزيرة ضيقة والبحر عليها كحلقة ملوية.

خبير آثار: إضافة كنيسة الملاك ميخائيل لمسار العائلة المقدسة فى كتاب جديد

 كما أعطي ياقوت وصفاً لموقع الجزيرة فقال بأنها في وسط بحيرة مفردة عن البحر الأعظم "البحر المتوسط" ويحيط بها البحر من كل جهة وبينها وبين البحر الأعظم بر مستطيل أوله قرب الفرما والطينة وامتداد هذا البر غربا الي دمياط حيث يسار فيه نحو ثلاثة أيام الي قرب دمياط . 

وأوضح خبير الآثار طارق إبراهيم، أن موقع تنيس قد تميز بالتوسط بين مواني مصر الشمالية الشرقية في العصر الإسلامي فإلى الشرق منها ميناء الفرما ثم بديله الطينة وفي الناحية الغربية كانت مدينة دمياط". 

ويشير إبراهيم، إلى أن موقع التل الأثري والذي ما زال يحمل إسم المدينة الآن بشكل عام عبارة عن جزيرة مفردة في أقصى الشمال الشرقي من بحيرة المنزلة في دلتا النيل بمصر يبعد حوالي ثمانية كيلو مترات إلي الجنوب الغربي من مدينة بورسعيد، على طريق الخط الملاحي قنال المنزلة الذي يربط بين مدينة بورسعيد والمطرية دقهلية.  

ويقع التل الأثرى «جزيرة تنيس» الآن وسط بحيرة صغيرة قليلة العمق تعرف باسم البشتير وهو موقع كبير يضم مجموعة من التلال تقع داخل رسوم أسوار المدينة القديمة، وأجزاء قليلة منبسطة خلف رسوم الأسوار "أرباض المدينة" على سيف البحيرة تقدر مسحتها حالياً بحوالي 350 فدان تقريباً والتل يرتفع تدريجياً من شاطئ البحيرة مكوناً تلالاً صغيرة يعلو بعضها بضعة أقدام والبعض الآخر بضعة أمتار يميزها المرء وسط أنقاض واسعة من الطوب الأحمر وشقاف من الخزف والفخار وقطع زجاجية من كل لون. 

الإسم والنشأة 

يؤكد إبراهيم، أن نشأة تنيس أحاط الأساطير كما لم يتفق جمهور المؤرخين العرب حول إسمها. فقال المقريزي تنيس من بلاد مصر في وسط الماء وهي كورة الخليج سميت بتنيس بن حام بن نوح ويقال بناها قليمون من ولد اتريب بن قبطيم أحد ملوك القبط فـي القديم. 

بينما يذكر ابن دقماق "سميت باسم تنيس بن حام بن نوح وقيل تنيس أخو دمياط كورة الريف، وقال التيفاشي في سرور النفس" يقال أن تنيس ودمياط والفرما ثلاثة أخوة ملكوا هذه المدن الثلاثة فسمي كل واحد منهم مدينته بإسم نفسه في حين يذكر ياقوت "أنها سميت باسم تنيس بنت دلوكة الملكة وهي العجوز صاحبة حائط العجوز بمصر فإنها أول من بني بتنيس وسمتها باسمها. وجاء بعده ابن بسام فقال" وبنت هذه المدينة تنيس بنت صاين تدارس أحد ملوك القبط.

ويبدو على أقوال المؤرخين الاختلاف والتشعب فالأول والثاني نسب تسميتها إلى تنيس بن حام بن نوح إلا أن تردد كل منهما في الاستدراك علي ما اتفقا عليه ممثلا في استدراك الأول علي تنيس بن حام بقليمون بن اتريب واستدراك الثاني عليه بتنيس أخو دمياط. 

في حين نسبها الثالث إلى تنيس بنت صاين تدارس والرابع إلى تنيس بنت دلوكة صاحبة الحائط العجوز مما يجعلنا نعتبر أن هذه القصص لا تعدو أكثر من أساطير من نسج الخيال ومن نمط الأساطير التي تحاك عادة حول تأسيس بعض المدن. 

يذكر أن أول ظهور لإسم المدينة في المصادر التاريخية القديمة ورد عند الراهب جون كاسان John Cassian الذي زار مصر في العقدين الأخيرين من القرن الرابع الميلادي 380 – 390 م حيث يقول "وصلنا إلى مدينة مصرية تسمي Thinnesus " تنيسوس" يحيط بها الماء من جميع جهاتها بحر ومستنقعات ملحة.

وقد تسابق الكتاب الغربيون لوضع أصول للاشتقاق اللفظي لكلمة " Tinnis " " تنيس" كما جاء عند Champallion " " فهو يفضل رجوع إسم المدينة إلى الأصول المصرية القديمة ويري أنها مجمعة من الكلمة المصرية القديمة " Ta – n – isis " أي مدينة إيزيس، إلا أنه لم يثبت بشكل مقنع وجود أي استيطان في موقع تنيس قبل القرن الثالث الميلادي كذلك المعلومات التاريخية والأثرية التي قمنا بها لم تشير إلى وجود أي نشاط سكاني في تنيس في العصر الفرعوني.

على جانب آخر يري Desacy ومن بعده Quatremere أن كلمة تنيس في مصطلح اللغة مشتق من الكلمة اليونانية نيسوس وتعني الجزيرة وقد أضيف في أولها حرف التاء وهو دليل المؤنث في اللغة القبطية فصارت تنيسوس أي الجزيرة . 

نشأة تنيس

أما عن نشأة المدينة فيبدو أن تنيس كانت ذات أهمية متواضعة في أواخر العصر الروماني خاصة وتاريخها في هذه الفترة يشوبه الغموض ومن المحتمل أن هذه المدينة قد نشأت إلي الوجود نتيجة لإعادة تنظيم الإمبراطور دقلديانوس "Diocletian" للأقاليم وربما كان ذلك في نهاية القرن الثالث الميلادي. 

وتعود الإشارات الأولى لذكر المدينة للقرن الرابع حيث يصفها جون كاسيان بأنها جزيرة خرجت من بيئة مقفرة يحيط بها الماء من جميع جهاتها بحر ومستنقعات ملحة وكان يعمل سكانها بالتجارة.  

كانت «تنيس» أسقفية في القرن الخامس تحت قيادة بطريرك الإسكندرية، حيث تذكر قوائم الأسقفية الأسقف هيركليدس "Herakleides" اسقف تنيس الذى شارك في مجلس أفسيوس" Ephesus عام 431م والأسقف Heron الذى شارك فى مجلس خلقيدونية Chalcedon"" عام 451. 

كما عرفت باسمها القبطي "تنيسوس" كونها إحدى المدن المقدسة المدرجة على فسيفساء "ما دبا" بالأردن في القرن السادس.

ويعتقد البعض أن المدينة في بداية تاريخها كانت مرتبطة إداريًا بمدينة دمياط حيث تم تقديمها لأول مرة في وصف جورج القبرصي في عام 606م كعاصمة لدائرة انتخابية مستقلة عن دمياط ومن بين الأسقفيات المستقلة في أبرشية أغسطس "Augustamnica ". 

عاش سكان تنيس فى هذه الفترة في منازل بسيطة صنعت من الغاب والبوص كما عمل أغلب سكانها بالتجارة وصيد الأسماك وصناعات النسيج. 

وبحسب المصادر المكتوبة والحفائر التى تمت بالمدينة حتى الأن يبدو أن مدينة تنيس كانت لا تزال متواضعة حتى وقت الفتح الإسلامي لمصر.