يوميات الأخبار

موعد مع التاريخ

السيد النجار
السيد النجار

قصة المتحف المصرى الجديد. حكاية جميلة.. كتبها وأبدعها المصريون.. من ألف فصل مضى.. وألف فصل آت.. فى مسيرة البشرية منذ فجر التاريخ
 

بدأ العد التنازلى لموعدنا مع التاريخ.. أقصد المعنى حرفيا، ليس من قبيل مجاز اللغة ولامحسنات مفردات الكلمات.. ولا من قبيل شيفونية العشق لمصر.. افتتاح المتحف المصرى الكبير.. الجديد.. الحدث مصرى.. وعلى أرض مصر.. ولكنه عالميا يخص الإنسانية وكل البشر على كوكب الأرض.. هو متحف على قدر مصر.. فى الأصل متحف.. وفى الواقع صرح متحفى.. ثقافى.. حضارى يفتخر به الإنسان فى أى بقعة من العالم.. يخاطب عقله.. يلامس وجدانه.. يسعد ويحيى روحه.. داخله وحوله يمضى ساعات وأياما من النزهة العقلية والنفسية والمتعة الثقافية والسياحية اللامحدودة.. لن أعدد مكوناته.. ومساحاته.. ومعروضاته.. لن أقول الأكبرفى العالم.. وهو بالفعل الأكبر.. لن أقول الأحدث فى كل خطوة ومرحلة.. وهو الأحدث.. لن أقول الأهم.. وهو الأهم.. لست من هواة صيغة أفعل التفضيل، فالمبالغة لاتزيد الحق بيانا.. ولا الحجة قوة.. ولكن مع المتحف الجديد فالقضية ليست حجما أو مساحة، ولا حتى المقتنيات وإبهار تكنولوجيا العرض المتحفى.

فالعالم مفتون بآثارنا.. يتيه عشقا فيها.. ولكن الأهم.. والأكبر.. والأعز علينا فى هذا الحدث.. هو الرمز.. أن مصر مازالت قادرة على العطاء فى مسيرة الإنسانية.. مصر ستظل دائما كما قال المؤرخ الأمريكى الأشهر جيمس هنرى برستيد..فى البدء كانت مصر.. قبل الزمان ولدت.. وقبل التاريخ.. هنا كل شيء.. الزراعة.. العمارة.. الهندسة.. الطب.. القانون.. الكتابة.. النظام.. وقبل كل شيء.. هنا فجر الضمير.. أو كما قال الدكتور حسين مؤنس.. قرون تجرى أثر قرون.. عوالم تولد وتموت.. ومصر هنا فى مكانها.. تبنى وتنشئ وتعمر.. تكتب وترسم.. تنشد وتصلى.. تتألق وتخبو ثم تتألق وتتوهج..

هذه هى القصة الحقيقية للمتحف المصرى الجديد.. صفحة جديدة.. حكاية جميلة من ألف فصل.. وألف فصل يأتى.. فصول كتبها وأبدعها المصريون فى مسيرة البشرية.. هنا الإنسان المصرى.. هنا رسالة النور والسلام والحب والأمان.. عايشت الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق حلم المتحف الجديد.. مشروع لم يكن يقدر على تصوره إلا خيال وإبداع فنان.. ورؤية وفكر مثقف مصرى أصيل.. تبنى الوزير سلسلة متاحف فى بقاع مصر، ولكنه يرى المتحف الجديد درة المتاحف وتاج العصر للحضارة المصرية.. تابعت أخباره يوما بعد يوم.. وكثيرا ما كان ساعة بساعة.. ومجرد أن وافقت القيادة السياسية على الفكرة عام 98، انتقل الحلم إلى مرحلة الفكر والعمل.. لقاءات.. اجتماعات.. مناقشات.. استعراض رؤى.. تصورات.. إدارة.. تمويل.. مقتنيات.. عروض.. زيارات للموقع وعبقرية المكان فى حضن الأهرامات.. تشكلت لجان متخصصة، تعمل بشكل منتظم على مداراليوم.. واجتماعات دورية موسعة، فى حوارات حول أدق التفاصيل.. لا شىء متروكا للصدفة.. المبنى.. محتوياته.. الخدمات الثقافية والسياحية والترفيهية.. وسائل العرض المتحفى.. تكنولوجيا العرض الحديثة.. الواجهة.. البهو الرئيسى.. قاعات وسيناريو العرض.. المفاوضات مع الدول والجهات المانحة.. مشاورات مع اليونسكو.. خبراء عالميين.

لم يكن يمر يوم دون أن يكون هناك جديد.. دائما ما يشبع شهية أى صحفى متابع للحدث والمشروع الحلم و الذى بدأ ينتقل إلى مرحلة ملموسة بموافقة إيطاليا على منحة مليون دولار لإعداد جميع الدراسات، بما فيها دراسة تأهيل المنطقة المحيطة بالمتحف. وفى نفس الوقت كانت اليابان وافقت على قرض ميسر 300 مليون دولار− وذلك بعد أن كانت قد أقامت دار الأوبرا بمنحة كاملة هدية للشعب المصرى. لتبدأ بعد ذلك مسابقة معمارية دولية لوضع التصميمات الهندسية بإشراف اليونسكو.. شارك فى المسابقة 1557 تصميما من 83 دولة، حيث تشكلت لجنة تحكيم دولية اختارت منها 14 مكتبا استشاريا مشتركا من 5 دول. وفى عام ٢٠٠٢ يتجسد الحلم إلى عمل على أرض الواقع بقيام الرئيس الراحل حسنى مبارك بوضع حجر الأساس. وبه تكتمل الصورة أمام المصريين والعالم مع بدء إنشاءات المبنى. والتى تواكبت معها الأعمال التنفيذية الأخرى، ومنها نقل تمثال رمسيس الثانى عام 2006 من ميدانه أمام محطة سكة حديد مصر. فى ملحمة كبيرة أشرف عليها الدكتور زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار حينها، والذى ظل طوال عشر سنوات «دينامو» العمل والجهد والحماس لكى تسير وتيرة العمل بالدقة المطلوبة وحسب البرامج الزمنية المحددة.

 إذا كان الملك توت عنخ آمون هو البطل «الماستر» للمعروضات.. فإن الفنان فاروق حسنى هو البطل المعاصر للمتحف.. هدية مصر للعالم.

الشتات الثالث والأخير

من ثوابت يومياتى على مدار الساعة.. متابعة ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية. وجرائم الاحتلال الإسرائيلى.. وردود الفعل العربية والدولية والأمريكية خاصة.. أشعر وكأننا فى كابوس يعربد فيه شيطان .. تساؤلات تدق الرأس.. ماذا إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، عدوة السلام.. والعرب جميعا.. وماذا إذا استمرت حالة العرب هكذا.. «كل خيارات وصفك صحيحة».. وماذا إذا جاء ترامب فى الانتخابات الأمريكية القادمة.. وأقول ترامب.. ليس لأنه منحاز لإسرائيل.. فكل رؤساء أمريكا منحازون لها. ولكن لأنه الأكثر صلفا وعنفا.. و.. فى فرض مايريده الإسرائيليون على الجميع.. عربا  وفلسطينيين.. إذا استمر الأمر هكذا.. انتهت القضية، ولن يكون هناك وجود ولاشعب فلسطينى..حكومة نتنياهو بدأت بالفعل فى تصفية القضية الفلسطينية. بأعمال القتل والهدم والطرد من القدس، وتليها باقى مدن وقرى الضفة الغربية، فى شتات ثالث وأخير للفلسطينيين، بعد الأول فى حرب48 والثانى فى  حرب 67. ولكنه شتات دون حرب جديدة.. قالها قادة إسرائيل بعد انتصار أكتوبر 73.. قالوا.. مهمتنا السنوات القادمة تحقيق ما نريد دون إراقة نقطة دماء لأى جندى إسرائيلي؟!

فى حضرة أحمد رجب

توقف العملاق الكاتب الساخر أحمد رجب عن الكتابة لصحيفة أخبار اليوم بعد موقف شعر أنه يمس كرامته ويحد من حرية قلمه.. عام 2011 ذهبت أطرق بابه راجيا العودة إلى قراء أخبار اليوم.. أصر على موقفه الرافض.. وتكرر اللقاء معه مرة.. ومرات.. دون أمل.. توسط صديقه دكتور زاهى حواس.. والفنان الكبير مصطفى حسين رفيق مشوار إبداعهما المعروف فى كتابة ورسم كاريكاتير صحف مؤسسة أخباراليوم.. دون جدوى.. لا كلمة على لسانه.. إلا.. أبدا لن أعود إليها.. لم ينتبنى يأس.. ذهبت إليه.. وإذا بالعملاق ينطلق مسترسلا− يبدو أنه كان قد ضاق من إلحاحي− فى بث شكواه وقسمه إلا يعود إليها حتى نهاية العمر، رغم حالة اللوع فى البعد عن عشقه الكبير «أخبار اليوم».. يشرد خيالى.. محدثا نفسى.. معقولة.. هذا العملاق الذى لم يره أحد مبتسما أبدا.. بينما يصنع الابتسامة فى خفة دم وسخرية ضاحكة.. هل يصدق أحد.. بداخله هذا الحنان والضعف الإنسانى الكبير.. وفجأة ودون وعى منى.. وقفت محتضنا الرجل وهو جالس على مقعده وأقبل رأسه.. غلبتنى دموع لم يرها ولكنه شعر بها من صوتى.. هو ظن أنها دموع رجاء ليوافق على الكتابة لأخبار اليوم.. وكان من حسن الحظ ظنه هذا.. فقد وافق على الفور.. ولكن الحقيقة أن الدموع كانت تأثرا من كلام هذا العملاق عن عشقه لأخبار اليوم.. ومكابدة الألم النفسى فى بعاده عن الكتابة بها. ولكنه يرى مهما كان الحب كبيرا ستظل الكرامة أغلى.. واحترام الكاتب لقلمة أكبر. وعاد الكاتب الساخر الأشهر فى تاريخ الصحافة المصرية للكتابة فى أخبار اليوم.. وعادت معه ريشة الفنان الكبير مصطفى حسين.

فى حضرة أحمد رجب تتعلم كثيرا.. وفى هذا الموقف كان درس الحياة.. كلما كنت كبيرا.. كنت إنسانا.. رقيق المشاعر.. طيب القلب.. كبيرا فى حبك.. تتعلم.. أن المشاعر الإنسانية الصادقة.. تغلب كل منطق وعقل ومصلحة.

هذه الزفرات.. كانت فى مكتبه.. لم يرها أحد أو يعرف بها، سوى الله.. عالم الغيب والشهادة.. أما دموعى التى شاهدها وشهد عليها الملايين كانت على شاشة إحدى الفضائيات فى حوار عنه يوم رحيله يوم صدور العدد الأسبوعى لأخبار اليوم.. وافقت على الحوار مجبرا حبا فى أحمد رجب.. لأنى لا أهوى أبدا المشاركة فى اللقاءات التليفزيونية..
ولنا عن أحمد رجب لقاءات أخرى.

دعوة للتأمل

سؤال أزلى.. أيهما الصواب.. والأفضل.. والأنبل فى الرأى والموقف.. أن تتحمل السهام، وخاصة ممن لا يقدرون شهامتك معهم.. أم تعيش مشهرا سلاحك فى خضم المتاعب والمشاكل حولك؟.

همس النفس

وما الإنسان.. إلا أجزاء.. شذرات.. ثنايا.. منها يكون الكل.. الذكرى جزء.. المكان جزء.. الأوقات.. الأحداث.. الأشخاص.. الكلمات.. مشاعر الحزن.. الغضب.. السعادة.. الأمل.. الخوف.. الأمان.. الأمل.. وما الإنسان إلا عقل وقلب وروح.. معك كان كل هذا فكنت أنا.

هل أصاب حبك عين.. يا قرة العين.. لما تجافينى الذكرى.. وذكراك لن تموت أبدا وإن فنى الجسد.