محطات فى حياة السيد المسيح

البابا تواضروس الثانى
البابا تواضروس الثانى

أهنئكم جميعًا بعيد القيامة المجيد لهذا العام، أهنئ كل الإيبارشيات والكنائس والأديرة القبطية فى مشارق الأرض ومغاربها. أهنئ كل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان. أهنئ كل الشمامسة وأعضاء مجالس الكنائس فى كل مكان. وأيضًا أهنئ كل الأسر القبطية التى تحتفل بعيد القيامة المجيد، كل أسرة، كل أب وكل أم. أهنئ الشباب، والخدام، والخادمات، أهنئ الكبار والصغار. أهنئكم بهذا العيد المفرح الذى نحتفل به سنوياً.

فى حياة السيد المسيح محطات كثيرة. فى أثناء خدمته الجهرية التى امتدت إلى أكثر من ثلاث سنوات، كانت هناك محطات عظيمة من المعجزات، واللقاءات، والتعليم، والأمثال التى تقابل فيها السيد المسيح مع تلاميذه ومع جموع كثيرة، سواء فرادى أو مجموعات عبر هذه الخدمة. فمن هذه المحطات الكبيرة، المحطة التى جمع فيها تلاميذه وذهبوا الى منطقة قيصرية فيلبس (متى 16: 13) فى شمال فلسطين. وهناك سألهم: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّى أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ (متى 16: 13) فأجابوه. وسألهم السؤال التالي: وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّى أَنَا؟ (متى 16: 15). فكانت إجابة القديس بطرس الرسول: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). وهذه الشهادة كتبت فى البشائر الأربعة بصياغات مختلفة، ولكنها كتبت فى ضوء القيامة المجيدة: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). كانت هذه من أهم المحطات فى حياة التلاميذ. وبعدها بدأ الحديث عما سيتم خلال الأسابيع والشهور التالية، وذلك فى حياة خدمة السيد المسيح من أنه يسلم ويصلب ويدفن ثم يقوم.

ثم جاءت محطة التجلى وهى محطة جمع فيها ثلاثة من التلاميذ (متى 17: 1-13)، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. بطرس يمثل الإيمان، ويعقوب يمثل الجهاد، ويوحنا يمثل المحبة الإلهية. وعلى جبل طابور، تقابلوا مع السيد المسيح وحضور موسى النبى وايليا النبى (متى 17: 1-13). وكان هناك حوار وكان أهم ما فيه: جيد يا رب أن نكون ههنا (متى 17: 1-13). وهذا يعتبر قبسا من الأبدية ونورا من الأبدية. وهذا ما جعل بطرس الرسول يطلب صناعة ثلاث مظال لكى تمتد إقامتهم فى هذا المشهد المضىء والمفرح.

بعد حادثة التجلى، كما نقرأ فى إنجيل معلمنا يوحنا، أو فى البشائر الأربعة بصفة عامة، وربما ذكرها القديس مرقس الرسول فى انجيله (مرقس 9: 9) بطريقة مختصرة، عندما تحدث أن ابن الإنسان يسلم ويصلب ويموت ويقوم من الأموات. فبدأ التلاميذ يتساءلون: ما هى القيامة من الأموات؟ حدث القيامة، أيها الأحباء، ليس حدثاً ماضيا فى الزمن الماضى. وليس حدثًا تاريخيا فقط. ليس احتفالنا بالقيامة المجيدة مجرد احتفال يحدث تم فى الماضى وانتهى. القيامة انطلاقة حقيقية للوجود الإنساني. انطلاقة الإنسان بعد أن صارت الخطية تدهمه وتسقطه وتكون عاقبتها الموت.

جاءت القيامة لكى ما تنتصر لنقول مع القديس بولس الرسول: «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (1 كورنثوس 15: 55). قيامة السيد المسيح تختلف تماماً عن كل معجزات القيامة التى أقام فيها أمواتًا، ابن أرملة نايين، أو ابنة يايرس، او اقامة لعازر حتى بعد أربعة أيام من تواجده فى القبر. قيامة المسيح تختلف تمامًا لأنها قيامة للوجود الانسانى. هى انطلاقة جديدة فى حياة الإنسان. وطوبى لمَنْ يتمتع بهذه القيامة.

أيها الأحباء، دعونى أتوقف معكم عند المشاهد الأخيرة للقيامة. المشهد الأول، عند الصليب. وهو مشهد كله ألم وحزن وعذابات كثيرة. وكلنا اجتزنا فترة أسبوع الآلام بكل ما فيها من قراءات، ونغمات، وألحان، ومعرفة وحياة مع المخلص، وعشنا معه ساعة بساعة. كانت محطة الصليب محطة ألم، ولكن هذه المحطة لها نهاية انتهت فى القبر. صُلب المسيح على الصليب، على عهد بيلاطس البنطي، كما نقول فى قانون الإيمان. ثم وُضع فى قبر جديد لم يوضع فيه أحد من قبل، وصار القبر هو محطة قد تنتهى عندها كل الآمال أم محطة ليس فيها رجاء، انها محطة الموت. ورغم أن هذه المحطة لم تطل سوى ثلاثة ايام، ولكنها كانت أيام خوف وأيام فزع وأيام رعب. وعندما نقرأ فى البشائر الأربعة، نشعر بهذه المخاوف. حتى التلاميذ أنفسهم كانوا فى حالة خوف وهلع شديد. لكن الله لم يتركهم لبالوعة اليأس، بل فى اليوم الثالث وفى فجر يوم الأحد قام من بين الأموات. والذى ههنا السيد المسيح، «لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ!» (لوقا 24: 6). وعندما نقرأ فى إنجيل معلمنا يوحنا: «فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ» (يوحنا 20: 20). وكانت هذه الفرحة، هى فرحة القيامة التى يسعد بها الأنسان ويفرح بها.

تجليات القيامة ليست ألفاظا تقال انما حياة تعاش. فى بداية كل يوم نقوم من النوم، وفى بداية كل تسبحة، نقول «قوموا يا بنى النور،» أى يا بنى القيامة. وتصير القيامة فعلا وحياة وحضورا يوميا فى حياة الإنسان. وعندما نعيش فى القيامة، لا نعيش فيها فترة عيد القيامة فقط، ولكن فرحة القيامة، تمتد وتشع فى كل كنيستنا وفى كل مناسباتنا، وأعيادنا وأصوامنا، وعبر السنة الكنسية كلها: فى صلاة باكر فى كل يوم هى تمثيل للقيامة، ونقول بنورك يا رب نعاين النور. وفى كل اسبوع فى يوم الاحد، نحتفل بهذا «اليوم الذى صنعه الرب». وفى كل شهر قبطي، نحتفل يوم 29 منه بتذكارات البشارة والميلاد والقيامة. وفى كل سنة، نحتفل بعيد القيامة ليس يوماً واحدًا، ولكن عبر سبعة أسابيع، تكتمل باليوم الخمسين فيما نسميه بالخماسين المقدسة. ويصير احتفال القيامة ليس احتفالا لساعة ولا ليوم ولا لشهر، ولكن عبر السنة جميعها. وفى كل طقوسنا، كمثل طقس الميطانيات، السجدات الى الأرض، عندما نسجد الى الأرض ونقول: يا ربى يسوع المسيح ارحمنى انا الخاطئ، يسجد الانسان ثم يقف ويقوم ويشهد ان القيامة هى التى أعطته هذه النعمة، أن يقوم من اخطائه ومن خطاياه.

فرحة القيامة يجب أن نعيشها جميعاً. ويجب أن نقدمها لكل أحد فينا. وكل واحد فينا لابد وأن يكون سبب فرح للآخرين. والسؤال الذى يمكن أن نقدمه لحضراتكم جميعًا: هل انت تفرح انسانا كل يوم. هل تستطيع من خلال حياتك أو من خلال معنى القيامة المجيد فيك، أو علاقتك بمسيحك، ومن خلال حضورك فى كنيستك، ومن خلال ممارسة الأسرار المقدسة، ومن خلال القراءة المقدسة فى الإنجيل، هل تقوم وتفرح كل إنسان حولك؟ هل انت سبب فرح؟ القيامة تدعوك أن تكون سبب فرح لكل أحد.

ويستمر الفرح بالقيامة متمثلاً فى كلمة هللويا. لا تنسوا أيها الأحباء اننا نكرر هذه الكلمة كثيراً فى صلواتنا بالكنيسة. هللويا معناها، هللوا لله، اى افرحوا لله. فكل ممارستنا الروحية هدفها أن نفرح وهدفها أن نعيش القيامة. وكما قلت فى بداية كلمتي، ان السيد المسيح عندما قام من بين الأموات، أراد أن يقدم لنا هذه الفرحة لتكن فى حياتنا اليومية، لنشهد بها ونعلمها ونمارسها ونفرح بها. هذه القيامة المجيدة هى دعوة للفرح الدائم. كل الممارسات الروحية التى نقدمها هدفها الأخير هو أن نفرح لكى ما يتم فرحنا فى الأبدية السعيدة.

والكتاب المقدس يقدم لنا فرح القيامة من خلال تقابلنا مع شخصيات ونماذج كثيرة. وفى هذه القيامة نفرح بهذه الشخصيات وبهذه النماذج، التى تتصور أمامنا فى أحداث القيامة المجيدة. إننا نفرح بيوحنا الحبيب، التلميذ الوحيد الذى بقى مع المسيح حتى الصليب. وقد ائتمنه المسيح على امه، امنا العذراء مريم. فكان هذا درسا فى الوفاء وصورة من صور القيامة. نفرح أيضاً بمريم المجدلية التى كانت أول من ذهب للقبر. فعاينت وشاهدت المسيح القائم ودعته «ربونى» اى يا معلم (يوحنا 20: 16). وهذا درس فى الوفاء أيضاً. نشهد أيضاً فى القيامة توما الشكاك. وقد ظهر السيد المسيح لتلاميذه فى حضور توما بعد القيامة بأسبوع. وكان قد ظهر قبل ذلك فى مرات أخرى. وكان توما هو التلميذ الذى دعاه الرب أن يضع اصبعه فى مكان المسامير ويضع يده موضع الحربة فصرخ وقال: «ربى وإلهي» (يوحنا 20: 26 - 28).

أيها الأحباء، اجعلوا فرح القيامة فى حياتكم دائمًا. وأرجوه لكم فى كل كنيسة وفى كل ايبارشية مع كل الذين يخدمون. تهنئتى أرسلها لكم من أرض مصر الحبيبة، وأقدمها لكم باسم كل أعضاء المجمع المقدس، وباسم كل الكنيسة القبطية الارثوذكسية هنا فى مصر. لنفرح جميعاً بالقيامة المجيدة.