يوميات الاخبار

بعد المعاش.. مازال للجمعة مذاق خاص

د. أنس عبد الرحمن الذهبى
د. أنس عبد الرحمن الذهبى

د. أنس عبد الرحمن الذهبى

الشيخ الشعراوى له من المحبين من يرفعه إلى درجة التقديس، وله منهم من يعرف أنه بشر مجتهد، له أجران حين يصيب، وأجر واحد حين يخطئ

الخميس
أحرص دائما على قراءة يوميات الأخبار التى يكتبها كوكبة من كبار الكتاب، وكثيرًا ما راودتنى فكرة كتابة هذه اليوميات يومًا ما، ولكن هاجس أين أنا من هؤلاء؟ كان يمنعنى دائمًا، حتى وجدت فى نفسى شجاعة المحاولة فقد أكون محظوظًا وأنال هذا الشرف.
وها قد تحقق الأمل وتم نشر أول يوميات لى راجيًا أن تنال إعجاب القارئ العزيز، ولا أجد نفسى بعد حمد الله سبحانه وتعالى إلا أن أتقدم بالشكر لأسرة التحرير على إتاحة هذه الفرصة لي.
الجمعة
رغم الوصول لسن التقاعد من العمل الحكومي، والتحرر من مواعيد العمل اليومى الرسمية، فمازال ليوم الجمعة - باعتباره الإجازة الأسبوعية- حلاوة الانتظار كما كان سابقًا ومازالت ممارسة الروتين الخاص به مستمرة، الاستيقاظ المتأخر من النوم، وتناول الأكلات الشعبية الشهية فى الإفطار الجماعي، وقراءة سورة الكهف، ثم الاستعداد لتأدية صلاة الجمعة، ولا ننس السؤال التقليدى قبل الخروج للصلاة (هناكل إيه انهاردة).
وكالمعتاد دائمًا تكون صلاة الجمعة فى نفس المسجد، ثم اللقاء الأسبوعى مع الأصدقاء بعد أداء الصلاة فى حوار عن الأحداث الجارية العامة والخاصة.
ومع ذكر صلاة الجمعة، فقد أصبح من الظواهر العامة المثيرة للانتباه فى خطبة الجمعة تلك الأخطاء المتكررة فى نطق اللغة العربية، وعدم إدراك كثير من الخطباء لأبسط قواعدها، فالفاعل منصوب، والمفعول به مرفوع، مما يؤدى إلى تغيير المعنى فى حالات كثيرة.
وبالمناسبة أيضا أليس من السهل على وزارة الأوقاف عمل مسابقات لاختيار مؤذنين ذوى أصوات حسنة أسوة بما فعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اختار الصحابى بلال بن رباح لتأدية الأذان وذلك لحسن صوته.
السبت
انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي، مجادلات ومناقشات حول الشيخ محمد متولى الشعراوى عليه رحمة الله، والذى تُوفى منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا.
وتعليقًا على ذلك أقول إنه لا قدسية فى الإسلام لأحد من البشر، فكل البشر يخطئ ويصيب، والجدال والنقد يكون بالتى هى أحسن، ومقابلة الحجة بالحجة، بشرط أن يكون ذلك نابعًا من نفوس مؤمنة مطمئنة، وليس من نفوس خبيثة جل همها النيل من الإسلام بتجريح بعض رموزه وعلمائه.
والشيخ الشعراوى له من المحبين من يرفعه إلى درجة التقديس، وله منهم من يعرف أنه بشر مجتهد، له أجران حين يصيب، وأجر واحد حين يخطئ، كما أن له أيضا كارهين بعضهم يكرهه لأسباب تتعلق بالشيخ شخصيًا، والآخر يكرهه تعبيرًا عن كرهه وبغضه للإسلام، وتنفيسًا عن حقده الداخلى عليه، ورسالة هؤلاء موجهة لمن يقدسون الشيخ لعل النيل منه ومن أقواله يصيب البعض منهم فى عقيدته.
الأحد
آلمنى اليوم أن أسمع أحد كبار الأطباء وهو يتحدث عن مرض خرف الشيخوخة (الألزهايمر)، وكان ينطق الاسم هكذا (زهايمر)، ويؤلمنى أن هذا أيضا هو ما اعتاده الكثيرون على اختلاف ثقافتهم عند كتابة أو نطق اسم (ألزهايمر) دون حرفى الألف واللام، اعتقادًا منهم أنهما للتعريف فقط! مع أنه يجب إضافتهما مرة أخرى عند التعريف فنكتبه هكذا (الألزهايمر)، لأن حرفى الألف واللام من الحروف الأصلية لاسم المرض، حيث سُمى بهذا الاسم نسبة للطبيب الألمانى (ألويس ألزهايمر) وتنطق بالألمانية، (ألويسيوس آلتسهايمر، 1864 ـ 1915) وهو عالم نفس وباثولوجيا عصبية ألماني، وقد وصف المرض فى عام 1906 بالكلمات التالية: (إنه مرض غريب يصيب قشرة الدماغ).
ولم يعرف الطبيب الألمانى ألزهايمر فى حينها أنه يتحدث عن أحد أخطر الأمراض التى ستعانى منه البشرية، كما أنه لم يكن يعرف أن هذا المرض سيحمل ويخلد اسمه على مر السنين.
الإثنين
صدم أذنى صوتان متناقضان فى لحظة واحدة، فقد سمعت نحيبًا وبكاءً من بيت، وضحكًا وزغاريد من الآخر، وهو أمر أصبحنا نقابله كثيرًا الآن.
فبالرغم من التأكيد الشديد على حق الجار فى القرآنِ والسنة، فقد ضاع هذا الحق تمامًا الآن، وصارت تصرفاتنـا الخاصة والعامة تؤكـد أنّ كلًا منا أصبـح يعيش فى جزيـرة منعزلة بعيـدًا عن الآخرين، فالمأتم فى منزل والفرح فى المنزل المجاور له، ولم يعدْ هناك أى مشاركـــة للجيران أو مراعاة لشعـورهم، وأصبح ساكنو العمارة الواحدة لا يعرفون بعضهم البعض، ولم يبق لنا إلَّا أن نترحم على أيامٍ كان أحدنا لا يجرؤ أن يفتح الراديو فى بيته لعدةِ أيامٍ حين تكون هناك حالةُ وفاةٍ فى بيت الجار الأخير لنا فى الشارع.
الثلاثاء
مررت اليوم بشارع الدكتور عزيز فهمى بمدينة طنطا، وهو أحد الشوارع التى يعرفها معظم أهالى المدينة، ولكن الذى لا يعرفه الكثير منهم أن الدكتور عزيز فهمى كان رجلا من رجالات مصر العظام، الذين أفنوا عمرهم فى حب الوطن والدفاع عنه.
هو الابن الوحيد لعبد السلام باشا فهمى جمعة، سكرتير عام حزب الوفد والوزير لعدة مرات ورئيس البرلمان المصرى الأسبق، ولد فى أوائل القرن العشرين ونشأ نشأة مرفهة، كان من الممكن أن تجعل منه شابًا حريصًا على ثروته ومكانته الاجتماعية، لكنه انطلق بقوة محاربًا للاحتلال الإنجليزى ومعارضًا للفساد.
كان أديبًا شاعرًا وفقيهًا قانونيًا، جمع بين فنون اللغة العربية والمقومات الفقهية، ولا غرابة فى ذلك فقد حصل على الليسانس فى الآداب والحقوق فى عام واحد، حتى أن الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب فى ذلك الوقت عدل مواعيد الامتحانات، لكى يتيح له الفرصة أن يؤدى امتحانات الكليتين فى الوقت المناسب له، ثم سافر إلى فرنسا حيث حصل على الدكتوراه فى القانون من السوربون، وعمل بعد عودته لفترة قصيرة وكيلا للنيابة بالمحاكم المختلطة، لكنه لم يستطع الالتزام بالوظيفة الحكومية المقيدة للإبداع الفنى والسياسي، فاستقال ليشتغل بالمحاماة وبكتابة المقالات فى الصحف.
اكتسب حب الوطن منذ نعومة أظافره، عندما كان يصحبه والده وهو فى العاشرة من عمره ليشارك فى مظاهرات 1919، ثم شارك بعد ذلك فى الاحتجاجات الحاشدة، والمظاهرات الكبيرة التى كان يقودها الطلاب من أجل إعادة دستور 1923.
كان الدكتور عزيز فهمى نائبًا للجمالية فى مجلس النواب عام 1951، وكانت له جولات وصولات فى البرلمان، ففى جلسة واحدة ظل يدافع عن الحريات وحقوق العمال على مدى خمس ساعات حتى كاد يسقط صريعًا من الإجهاد، وخشى والده عبد السلام باشا فهمى جمعة الجالس على المنصة عليه، وتدخل بحكم اللائحة، إلا أنه لم يعر كلام والده أى اهتمام، ورد عليه بكلمات مسجلة فى مضابط مجلس النواب (أنت أبى فى المنزل، أما هنا فإننى أمثل الشعب الذى اختارنى فلك على يا أبى حق الطاعة ولكن ليس فى هذه القاعة).
كان رحيمًا حتى بخصومه، ومما يذكر عنه فى هذا الأمر، أنه كان يسهر فى مكتبه لساعات متأخرة من الليل، وكان رجال البوليس السياسى يراقبونه من على أسطح العمارات المجاورة، فكان يشفق عليهم من البرد القارص فى ليالى الشتاء، فيرسل إليهم سكرتيره ليحضرهم إلى المكتب ويقدم لهم الطعام والشراب، ثم يعطيهم آخر الليل تقريرا كاملا عن نشاطات المكتب ليسلموه لرؤسائهم.
ظلّ خصومه من أعوان الاحتلال والفساد يطاردونه بطرق مختلفة، حتى كان أول مايو عام 1952، وكان مسافرًا خارج القاهرة ليترافع فى إحدى القضايا الوطنية، وفى الطريق تصطدم السيارة التى يستقلها بجذع شجرة وتسقط فى النيل، فى حادثة أكد الكثيرون أنها كانت مدبرة بإحكام شديد، ليموت عزيز فهمى بعد حياة قصيرة عشق فيها مصر ونيلها، وحارب فيها الاحتلال الإنجليزي، ودافع فيها عن الحريات بكل ما أوتى من مال وقوة وعلم وبلاغة.
وبعد وفاته، أنشأ والده عبد السلام باشا فهمى جمعة مسجدًا ومعهدًا أزهريًا يحملان اسمه مازالا باقيين فى الشارع الذى يحمل اسمه أيضا بمدينة طنطا.
الأربعاء
تعددت الأفكار عن كيفية تطوير التأمين الصحى ليصبح أكثر نفعًا لمنتفعيه ومن خلال خبرتى بالعمل الطبى لأكثر من أربعين عامًا أتمنى أن يأتى اليوم الذى تتولى فيه شركات التأمين الموجودة بمصر مسئولية التأمين الصحى على جميع المواطنين المصريين.
وتكون الشركات فى هذه الحالة وسيطًا للخدمة بين المواطنين من جهة وبين المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات بمختلف تصنيفاتها من جهة أخري، وذلك بفئات مختلفة للإقامة والفندقة، دون أى تفرقة فى تطبيق البروتوكولات الطبية على الجميع، حسب اشتراك العميل وتبعًا لقدراته.
وحينئذ لن يكون هناك أى إهدار لاشتراكات العملاء فى بناء مستشفيات وعيادات خاصة بهيئة التأمين الصحى أو الصرف على جهاز إدارى وفنى ضخـم تمثله الهيئة الآن.
< استشارى طب الأطفال – طنطا