خواطر الإمام الشعراوي.. «فعظوهن»

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

تستدعى الحملة الشرسة على الشيخ الشعراوي هذه الأيام استحضار خواطره حول قوله تعالى فى الآية 34 من سورة النساء: «واللاتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهجروهن فِى المضاجع واضربوهن»، وذلك بسبب قيام بعضهم بإدعاء أنه كان عدوا للمرأة، ولكن تفسيره للآية يفضح زيف ادعآتهم يقول الشعراوي: ومعنى قوله: «واللاتى تَخَافُونَ» يعنى أن النشوز أمر متخوف منه ومتوقع ولم يحدث بعد. وكيف يكون العلاج؟

يقول الحق: (فعظوهن) أى ساعة تراها تنوى هذا فعظها، والوعظ: النصح بالرقة والرفق، قالوا فى النصح بالرقة: أن تنتهز فرصة انسجام المرأة معك، وتنصحها فى الظرف المناسب لكى يكون الوعظ والإرشاد مقبولاً فلا تأت لإنسان وتعظه إلا وقلبه متعلق بك. وإذا أردنا أن تنفع الموعظة يجب أن نغير من أنفسنا، وأن ننتهز فرصة التصاق عواطف من نرغب فى وعظه فنأتى ونعطى العظة. هكذا (فعظوهن) هذه معناها: برفق وبلطف، ومن الرفق واللطف أن تختار وقت العظة، وتعرف وقت العظة عندما يكون هناك انسجام، فإن لم تنفع هذه العظة ورأيت الأمر داخلاً إلى ناحية الربوة؛ والنشوز فانتبه.

والمرأة عادة تَدِل على الرجل بما يعرف فيه من إقباله عليها. وقد تصبر المرأة على الرجل أكثر من صبر الرجل عليها؛ لأن تكوين الرجل له جهاز لا يهدأ إلا أن يفعل. لكن المرأة تستثار ببطء، فعندما تنفعل أجهزة الرجل فهو لا يقدر أن يصبر، لكن المرأة لا تنفعل ولا تستثار بسرعة، فأنت ساعة ترى هذه الحكاية، وهى تعرفك أنك رجل تحب نتائج العواطف والاسترسال؛ فأعط لها درساً فى هذه الناحية، اهجرها فى المضجع. وانظر إلى الدقة، لا تهجرها فى البيت، لا تهجرها فى الحجرة، بل تنام فى جانب وهى فى جانب آخر، حتى لا تفضح ما بينكما من غضب، اهجرها فى المضجع؛ لأنك إن هجرتها وكل البيت علم أنك تنام فى حجرة مستقلة أو تركت البيت وهربت، فأنت تثير فيها غريزة العناد، لكن عندما تهجرها فى المضجع فذلك أمر يكون بينك وبينها فقط، وسيأتيها ظرف عاطفى فتتغاضى، وسيأتيك أنت أيضاً ظرف عاطفى فتتغاضى، وقد يتمنى كل منكما أن يصالح الآخر. إذن فقوله: «واهجروهن فِى المضاجع» كأنك تقول لها: إن كنت سَتُدِلِّينَ بهذه فأنا أقدر على نفسي.

اقرأ أيضًا| خواطر الإمام الشعراوي.. الخير فى التكليف

ويتساءل بعضهم: وماذا يعنى بأن يهجرها فى المضاجع؟. نقول: ما دام المضجع واحداً فليعطها ظهره وبشرط ألا يفضح المسألة، بل ينام على السرير وتُغلق الحجرة عليهما ولا يعرف أحد شيئاً؛ لأن أى خلاف بين الرجل والمرأة إن ظل بينهما فهو ينتهى إلى أقرب وقت، وساعة يخرج الرجل وعواطفه تلتهب قليلاً، يرجع ويتلمسها، وهى أيضاً تتلمسه. والذى يفسد البيوت أن عناصر من الخارج تتدخل، وهذه العناصر تورث فى المرأة عناداً وفى الرجل عناداً؛ لذلك لا يصح أن يفضح الرجل ما بينه وبينه المرأة عند الأم والأب والأخ، ولنجعل الخلاف دائماً محصوراً بين الرجل والمرأة فقط. فهناك أمر بينهما سيلجئهما إلى أن يتسامحا معاً.

«فَعِظُوهُنَّ واهجروهن فِى المضاجع واضربوهن» وقالوا: إن الضرب بشرط ألا يسيل دما ولا يكسر عظما.. أى يكون ضرباً خفيفاً يدل على عدم الرضا؛ ولذلك فبعض العلماء قالوا: يضربها بالسواك. وعلمنا ربنا هذا الأمر فى قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة، قال له ربنا: «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ» «ص: 44».

والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وانتهت. فالمرأة عندما تجد الضرب مشوباً بحنان الضارب فهى تطيع من نفسها، وعلى كل حال فإياكم أن تفهموا أن الذى خلقنا يشرع حكماً تأباه العواطف، إنما يأباه كبرياء العواطف، فالذى شرع وقال هذا لابد أن يكون هكذا. «واللاتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهجروهن فِى المضاجع واضربوهن» أى ضرباً غير مبرح، ومعنى: غير مبرح أى ألا يسيل دماً أو يكسر عظماً ويتابع الحق: « فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً».

فالمسألة ليست استذلالاً. بل إصلاحا وتقويما، وأنت لك الظاهر من أمرها، إياك أن تقول: إنها تطيعنى لكن قلبها ليس معي؛ وتدخل فى دوامة الغيب، نقول لك: ليس لك شأن لأن المحكوم عليه فى كل التصرفات هو ظاهر الأحداث.

أما باطن الأحداث فليس لك به شأن ما دام الحق قال: «أطعنكم»؛ فظاهر الحدث إذن أن المسألة انتهت ولا نشوز تخافه، وأنت إن بغيت عليها سبيلاً بعد أن أطاعتك، كنت قوياً عليها فيجب أن تتنبه إلى أن الذى أحلها لك بكلمة هو أقوى عليك منك عليها وهذا تهديد من الله.

ومعنى التهديد من الله لنا أنه أوضح: هذه صنعتي، وأنا الذى جعلتك تأخذها بكلمتيّ زوجني.. زوجتك.. وما دمت قد ملكتها بكلمة منى فلا تتعال عليها؛ لأننى كما حميت حقك أحمى حقها. فلا أحد منكما أولى بى من الآخر، لأنكما صنعتى وأنا أريد أن تستقر الأمور.