في أمريكا.. الطب الشرعي يغير مصير المتهمين من السجن إلى البراءة

عالم الوراثة البريطاني أليك جيفريز
عالم الوراثة البريطاني أليك جيفريز

 دينا جلال

تحول الطب الشرعي إلى بطل ودليل يدير الاحداث في أعقد القضايا الجنائية، تنجح أدلة الطب الشرعي في تبرئة المشتبه به وإدانة الهاربين من العدالة حتى وإن طال الوقت، وفي الولايات المتحدة الامريكية يعتمد مشروع البراءة الأمريكي الوطني على الطب الشرعي ودور البصمة الوراثية أو الحمض النووي لإثبات هوية الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم، ومنها يتم تلقائيا اكتشاف عدد هائل من المساجين الابرياء والمنتظرين في طابور الإعدام بسبب جرائم لم يرتكبوها.

تكشف الاحصائيات والتقارير الجنائية عن دور الطب الشرعي والبصمة الوراثية في تبرئة ما يقرب من 375 شخصًا في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق اختبار الحمض النووي، منهم 21 سجينا ظلوا على قائمة الانتظار لتنفيذ عقوبة الإعدام لسنوات إلى أن  لعب علم الطب الشرعي دورًا ثوريًا عبر بصمة الحمض النووي لتحرير الأبرياء وإصلاح نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة وبمزيد من التقدم في تكنولوجيا تسلسل الحمض النووي على مدار العقود القليلة الماضية؛ انكشفت نواقص هائلة في نظام العدالة وزادت براءات المساجين ظلمًا وكذلك إدانة مجرمين في العديد من الجرائم.

دليل شرعي
كشفت وسائل الاعلام الامريكية منذ فترة قصيرة؛ عن إطلاق سراح رجل بعدما قضى 38 عامًا في السجن بعد اتهامه بجريمة قتل واغتصاب لم يرتكبهما في الواقع، وفي النهاية أثبت الحمض النووي براءته ليعلن مكتب المدعي العام لمقاطعة لوس أنجلوس؛ أن السجين موريس هاستينجز بريء بفضل اختبار الحمض النووي، اشعلت القضية حالة من الغضب، السجين البريء قضى ما يقرب من 40 عاما خلف القضبان بتهمة قتل واغتصاب امرأة تدعى روبرتا وايدرمير في عام 1983، والاسوأ من ذلك ان محامي المتهم تقدم بطلب منذ 20 عاما يطلب اللجوء إلى فحص الحمض النووي الخاص به؛ لترفض المحكمة طلبه إلى أن تبنى مشروع البراءة الوطني في لوس انجلوس قضيته ليوافق قاضي محكمة مقاطعة لوس أنجلوس العليا على إعادة المحاكمة؛ لإعلان براءته كما أكد السجين موريس مرارًا وتكرارًا دون أن يصدقه احد، وخاصة بعد العثور على جثة الضحية روبرتا في صندوق سيارتها متأثرة بطلقة واحدة في رأسها بعد تعرضها للاغتصاب وأجرى الطبيب الشرعي فحصا شاملا للحصول على كافة البصمات المتعلقة بالضحية أو المشتبه بهم دون التأكد منها؛ ليتم اتهام المتهم رسميًا بالقتل وتلقى حكما بالسجن مدى الحياة.

يصعب وصف حالة موريس هاستينجز وعمره الآن 69 عاما، بعد البراءة توالت تصريحاته ليؤكد حرصه على الصلاة طوال الوقت لإثبات براءته والاستمتاع بحياته من جديد، الا انه لم يتوقع أن تمر كل تلك السنين لتتأخر لحظة البراءة لكنه اكثر إصرارًا على الاستمتاع بما تبقى من حياته في قصة انسانية مثيرة للصدمة والحزن انتهت باعتراف جورج جاسكون المدعي العام لمقاطعة لوس أنجلوس في بيان رسمي قال فيه: «ما حدث للسيد هاستينجز ظلم رهيب، نظام العدالة ليس مثاليًا، وما أن يتم اكتشاف أدلة جديدة حتى نفقد الثقة في كافة إجراءات الإدانة من جديد»، اما بولا ميتشل رئيسة مشروع البراءة بلوس أنجلوس فصرحت قائلة: «لو أصدرت هيئة المحلفين حكم الإعدام بدلاً من السجن المؤبد للمتهم هاستينجز فلم يكن ليعيش ليرى براءته في ذلك الوقت وهناك احتمال بإعدام اشخاص ابرياء دون التحقق من إدانتهم، نظام العدالة الجنائية لدينا ببساطة لديه مجال كبير للخطأ».

سجين برئ
مرور ما يقرب من 40 عاما على سجين بريء امرًا ليس نادرا في الولايات المتحدة الامريكية، تكرر الامر في اكثر من واقعة، ومؤخرًا تناولت وسائل الاعلام الأمريكية قصة براءة تعود إلى بصمة الحمض النووي التي انقذت رجلا من السجن بعد قضاء 37 سنة وهو روبرت دوبواز المتهم بقتل المراهقة باربرا جرامز، 19 سنة، منذ عام 1985 واعتمدت إدانة روبرت على شهادة طبيب اتهم روبرت بالجريمة بشكل مباشر بالإضافة إلى حارس في احد السجون قام بالشهادة ضد روبرت ايضا، وتولى مشروع البراءة تلك القضية؛ ليكشف عن تناقضات في رواية الشهود وهو ما تم عرضه بمكتب المدعي العام، ولجأ ممثلو مشروع البراءة الى عينات سابقة من الحمض النووي في مكان الحادث؛ لتنكشف براءة روبرت من الجريمة وتبين اختلاف بصمته تماما عن بصمة الجاني الحقيقي؛ ليؤكد المدعي العام وارين «لمدة 37 سنة كان لدينا رجل بريء محبوس في السجن بينما لم يُحاسب الجاني الحقيقي على هذه الجريمة البشعة».

المخترع وأول بريء
يعود اكتشاف بصمات الحمض النووي إلى عالم الوراثة البريطاني أليك جيفريز منذ عام 1984 الذي يعد أول شخص يستخدم ملفات تعريف الحمض النووي واختبارات بصمات الحمض النووي؛ ليتم استخدامها في كافة أنحاء العالم لحل الجرائم الجنائية، وفي عام 1987، ظهر تحليل الحمض النووي الشرعي لأول مرة في قاعات المحاكم الامريكية واطلق عليه «بصمة الحمض النووي»؛ لتمييزه عن بصمات الجلد التقليدية، ويعد الامريكي جاري دوتسون اول شخص يحصل على البراءة في عام 1989 بعد قضاء 10 سنوات في السجن ظلما بعد إدانته في جريمة خطف واغتصاب مراهقة تدعى كاثلين كرول، 16 سنة، في إحدى ضواحي شيكاغو، وتلقى حكما بأقصى عقوبة وهى السجن مدى الحياة لمدة تتراوح بين 25 و 50 عامًا، وفي ذلك الوقت تم الانتهاء من إجراءات التحقيقات سريعا دون التأكد من هوية المتهم وكذلك تجاهلت الشرطة الاوصاف غير المتطابقة للمتهم، ثم تراجعت الضحية كرول عن شهادتها؛ لتؤكد انها لفقت التهمة لشاب برئ لتخفي لقائها بصديقها ومع ذلك لم تتم اعادة المحكمة الا بعد ان تقدم محامي المتهم بطلب اعادة القضية واستخدام الرأفة لنقص الادلة لإدانة المتهم، وفي النهاية قررت المحكمة إلغاء ادانة المتهم بناءً على نتائج اختبار الحمض النووي بعد أن أمضى 10 سنوات في السجن.

رسائل المساجين
في عام 1992 بدأ مشروع البراءة الأمريكي الوطني، كمكتب قانوني يعتمد على فكرة مبسطة وهى دور تقنية الحمض النووي في اتهام الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم، ومنها يتم إثبات براءة اشخاص تمت إدانته وسجنهم بالخطأ وبالفعل تلقى المشروع 50 ألف رسالة من افراد مسجونين يطلبون المساعدة في إثبات براءتهم؛ ليصبح المشروع الوطني للبراءة جهة مختصة بتقييم حالات المتهمين خاصة ممن تركوا أدلة بيولوجية وراءهم لإعادة تقييم الاختبارات ومقارنتها بالمشتبه بهم والسجناء والمطالبة بإعادة المحاكمات في حالة وجود بيانات غير دقيقة لتتضمن مئات الحالات.

يتضمن ملف مشروع البراءة الوطني حالات عديدة، ومنها قضية الامريكية بولا جراي وهى أول امرأة يتم تبرئتها بسبب الحمض النووي بعد قضائها 24 عاما في السجن منذ الثمانينات؛ حيث أدينت بولا جراي بالخطأ بتهمة ارتكاب جريمة قتل مزدوجة وتقديم شهادة الزور في شيكاغو، واستجوبت الشرطة بولا وعمرها وقتها 17 عاما وكانت تعاني من مشاكل عقلية، واستمر التحقيق معها ليلتين حتى اضطرت للاعتراف بجريمة القتل، وشهدت أمام هيئة محلفين كبرى في المحكمة بأنها كانت برفقة اربعة اشخاص وقت ارتكاب الجريمة ثم تراجعت عن اعترافها في وقت لاحق لتصبح متهمة سواء بالقتل او الشهادة الزور، وتمت ادانتها لتتلقى حكما بالسجن مدى الحياة لكلا التهمتين، وقضت 24 سنة في السجن قبل ان تلجأ الى تحليل الحمض النووي هى ورفاقها؛ لتٌثبت براءتهم جميعا بالإضافة إلى التأكد من سوء سلوك الشرطة الواضح في تلك القضية، وقررت مقاطعة كوك تسوية قضية بولا واصدقائها مقابل 36 مليون دولار في عام 1999 - وهي أكبر تسوية للحقوق المدنية في الولايات المتحدة في ذلك الوقت.

اول ناجي من الإعدام
يعد كيرك بلودسوورث أول شخص انتظر عقوبة الإعدام في السجن ليتم تبرئته باختبار الحمض النووي بعد قضاء ثماني سنوات في السجن في طابور الإعدام، وهو جندي سابق في مشاة البحرية عمره 23 عاما وقت إدانته غير المشروعة بعد العثور على جثة طفلة عمرها 9 سنوات في منطقة غابات في روسديل بولاية ماريلاند؛ ليتم اتهامه بالاعتداء عليها وقتلها، وأبلغ متصل مجهول عنه والادلاء بمواصفاته كما شهد خمسة أشخاص على الجاني بالرغم من عدم وجود أي ادلة مادية تربطه بالحادث وتلقى حكمًا بالإعدام وفي بداية التسعينيات ، علم محامي المتهم اختبار الحمض النووي وإمكانية إثبات براءته، ووافق الادعاء على اختبار الحمض النووي؛ لتكشف عدم توافق بصمة الحمض النووي على جثة الضحية مع بصمة المتهم، وبالفعل تم اطلاق سراحه ليصبح اول شخص يتم تبرئته من الإعدام عن طريق اختبار الحمض النووي، وتم تعويضه لاحقًا بمبالغ هائلة من ولاية ميريلاند.

اقرأ أيضا: مصلحة «الطب الشرعي» تحصل على شهادة الاعتماد الدولي