مهند عدلي يكتب: الاستثمار.. نفق خروج الاقتصاد من الفخ الدوار

مهند عدلي
مهند عدلي

كتب - مهند عدلي

لا يستطيع أي محلل اقتصادي أن ينكر اهمية برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي نفذته الحكومة من 2016 حتى 2019 ومردوده الايجابي على المؤشرات الاقتصادية الكلية في تلك الفترة، ولعله كان السبب الرئيسي في قدرة الاقتصاد المصري على تحمل صدمات تداعيات كورونا في 2020 وما بعدها إلى إن نشبت الحرب الروسية الأوكرانية وبدأت البنوك المركزية في اتباع سياسة مواجهة التضخم عبر رفع الفائدة، وهي السياسة التي يبدو أنها ستظل لبعض الوقت حتى منتصف 2023، وإن كانت بمعدلات أقل حدة وربما بآثار منضبطة وذلك طبقا لتوقعات البنوك المركزيه العالمية وخاصةً البنك الفيدرالي الامريكي الذي يتبع مبدأ الشفافية في مكاشفة الأسواق بشأن سياساته المستقبلية ..  وبالطبع فإن نجاح الحكومة في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي والتمويلات الأخرى المرتبطة به سيؤدي إلى علاج مرحلي للأزمة الراهنة. 

 لكن السؤال الأكثر أهمية هنا هو: كيف يمكن تحصين الاقتصاد المصري مستقبلاً من الوقوع في فخ الضغط الدوار الدافع إلى سياسات مؤلمة اقتصادياً، كما حدث خلال العشرين سنة الماضية بشكل مباشر في 2004، و2016، أو بأشكال غير مباشرة كما في أعوام أزمة 2008، وفي سنوات أخرى مماثلة..

وهذا التساؤل ليس من قبيل الرفاهية الفكرية ولكنه ضرورة للوصول إلى حالة من القوة الاقتصادية المانعة للضغوط والضامنة لتحمل الاقتصاد المصري للصدمات الخارجية، وقد تبدو الإجابة بسيطة لفظاً خاصة وأننا لن نخترع العجلة، فالإجابة في الاستثمار.. هذه الكلمة التي لا تتجاوز السبعة أحرف تمثل كل الحلول المطلوبة للخروج من شرك الفخ الدوار للأزمات الاقتصادية سواء  بفعل مؤثر خارجي مثل كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية، أو مؤثر داخلي كما حدث في الفترة من 2011 وحتى 2013..

وحين ننطق  بهذه الكلمة فإننا نقصد بها على مستوى القانون مجموعة القوانين المحفزة للاستثمار من حيث الشكل والمضمون والأهم الأداء التنفيذي لها بما يمنع المشاكل التقليدية مثل البيروقراطية وسوء استخدام الثغرات القانونية وتطبيق الأساليب التكنولوجية لإدارة العمليات التنفيذية وتوحيد الجهات الرقابية وضبط منظومة العلاقات بين الدولاب الحكومي والاستثمار والمستثمرين. 

وحين نقصد بالاستثمار مجموع الأموال التي يتم ضخها في شرايين الاقتصاد المصري فيجب أن نحرص على  أن تكون هذه الأموال من نوعية الأموال غير الساخنة التي تتوجه إلى مشروعات حقيقية صناعية وخدمية وزراعية وتجارية، بحيث يضمن أن يكون لها تأثير واسع المدى بدورة اقتصادية ممتدة تحقق منافع متعددة لكافة الأطراف سواء المستثمر أو الدولة أو المواطن، وتنعكس بشكل حقيقي على معدلات الناتج القومي الإجمالي ومعدل البطالة ومستويات التشغيل والأجور. 

وحين نقصد بالاستثمار مسارات ونوعية هذه الاستثمارات فإنه يكون مطلوباً تفعيل الاستراتيجية التي أعلنتها الحكومة عبر وثيقة سياسة ملكية الدولة بحيث يكون واضحاً للمستثمرين الإقليمين والعالميين المسارات التي تستهدفها الدولة سواء بشكل فردي أو مشترك ويكون واضحاً للجميع الحدود التي يمكن العمل فيها ومن خلالها، بما يحقق سوق استثماري تنافسي خاصة مع وجود أسواق إقليمية أخرى منافسة تسعى لتحقيق ذات الأهداف. 

الاستثمار بهذه المعاني الثلاثة يعني الوصول إلى إصلاح هيكلي حقيقي.. وأعتقد أن الآن هو وقته خاصة بعد ما حققته الدولة من نجاح على مستوى عناصر البنية الأساسية خلال السنوات التسع الماضية بما يجعلها مؤهلة ومهيأة لتنفيذ هذه الخطة الطموحة بعيداً عن الإصلاحات المرحلية التي قد تخفف من حدة آثار الضغوط ولكنها سريعاً ما تدخل بنا إلى فخ الأزمة الدوارة مرة اخري وربما بصورة اشد قسوة عما سبق اذا ما حدث اي متغير خارجي او داخلي ذو تاثير اقتصادي حاد. واكاد ازعم ان الجميع على دراية كاملة بما هو مطلوب... وماهو ملح ... وماهي الخطط والاجراءات والسياسات واجبة التنفيذ لتحقيق ذلك..؟ واعتقد ان الظرف الاقتصادي الداخلي اصبح مهيئا تماما لتنفيذ هذا الاصلاح الهيكلي الاستراتيجي بارادة فاعلة وسرعة تتحلي بالكفاءة والرشادة.