خارج النص

أكبر من مجرد كرة قدم

د. اسامة السعيد
د. اسامة السعيد

لم تعد كرة القدم مجرد لعبة شعبية، أو هواية يمارسها الصغار والشباب، ويستمتع بها الكبار، لكنها تجاوزت كونها «لعبة» وصارت «صناعة» بل صناعة عالمية تختلط فيها حسابات السياسة بالاقتصاد، بل باتت وسيلة لصناعة الصور الذهنية لشعوب كاملة.

اليوم يعيش العالم حالة من «هوس» كرة القدم، فالملايين وربما المليارات حول العالم، يتابعون «مونديال قطر 2022»، ولا تقتصر تلك المتابعة على الاستمتاع بالمباريات، وتشجيع منتخبات بلدانهم أو حتى تشجيع الفرق التى تقدم أداءً متميزا، لكن المتابعة تمتد كذلك إلى التوظيف السياسى والدعائى للبطولة..

بالتأكيد لم يكن هدف قطر هو الربح المالي، فقد أنفقت 220 مليار دولار من أجل الاستعداد لاستضافة البطولة، بينما لن تتجاوز عائدات التسويق والتذاكر والبث التلفزيونى فى أفضل الأحوال أكثر من 10% من هذا الإنفاق الهائل، بل كانت الدوحة تسعى إلى ربح معنوى أكبر، عبر تقديم نفسها كصانع للأحداث العالمية الكبرى، رغم كونها دولة صغيرة المساحة، قليلة السكان، لكنها ربما أرادت تثبيت صورة ذهنية عن نفسها بأنها لاعب مهم على خريطة الأحداث العالمية..

فى المقابل سعت دول أخرى إلى استغلال البطولة لتحقيق مآرب أخرى، ليست فوق مستوى الشبهات، وأعنى هنا تلك المنتخبات التى حاولت أن تستفيد من الحدث العالمى فى تأكيد دعمها للمثلية الجنسية، مخالفة ضوابط الدولة المنظمة، وثقافة وتقاليد المنطقة التى تستضيف البطولة، وتحول الأمر إلى معركة، وكأن كل الدعم الذى يلقاه أولئك الشواذ حول العالم من حكومات ومنظمات وشركات ومؤسسات إعلامية لا يكفي، فانتظروا كأس العالم الذى ربما يحظى بأعلى نسبة مشاهدة عالميا، ليحولوه إلى ميدان شقاق وتناحر واختلاف، بدلا من أن يكون ساحة تلاقٍ وتعارف وائتلاف!!

ورغم كل ذلك ستبقى كرة القدم واحدة من أكثر أسباب استمتاع البشر وسعادتهم، ليس فقط لأنها تمنحهم 90 دقيقة للإفلات من همومهم اليومية، ولكنها تمنحهم روح المنافسة الشريفة التى قد لا يجدونها فى حياتهم أو على الساحة العالمية، ففى كرة القدم فقط، يمكن للفقير أن يهزم الغني، ويمكن لفريق دولة نامية صغيرة أن يتلاعب بمنتخب أقوى دولة فى العالم.

إنها متعة كرة القدم، وعدالتها التى ربما لن تجدها إلا على الساحات الخضراء للساحرة المستديرة.