بداية

وجهان لعملة رديئة

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

‭..‬لا‭ ‬أخطر‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬مد‭ ‬نفوذ‭ ‬التطرف‭ ‬فيها‭ ‬وخلط‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬بالسياسي،‭ ‬أو‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬العدوانية،‭ ‬عنف‭ ‬أراه‭ ‬دائمًا‭ ‬مفتعلًا‭ ‬أو‭ ‬زائفًا‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬يمارسه؛‭ ‬ومن‭ ‬أسف‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬مسار‭ ‬العنف‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬البشاعة‭ ‬في‭ ‬القتل،‭ ‬وكما‭ ‬رأينا‭ ‬سلسلة‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬الأخيرة‭ ‬باسم‭ ‬الحب‭ ‬وهذا‭ ‬المعنى‭ ‬بريء‭ ‬منهم؛‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬هؤلاء‭ ‬المعتدين‭ ‬أو‭ ‬نسبغ‭ ‬عليهم‭ ‬صورة‭ ‬البطل‭ ‬المضطهد،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬بترهم‭ ‬من‭ ‬المجتمع؛‭ ‬لأن‭ ‬خسائر‭ ‬العنف‭ ‬على‭ ‬ضحاياهم‭ ‬وذويهم‭ ‬أكثر‭ ‬أضعافًا‭ ‬مضاعفة‭.‬

‭ ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬عندي‭ ‬بين‭ ‬المتعصب‭ ‬دينيًا،‭ ‬والمجرم‭ ‬الذي‭ ‬يطفئ‭ ‬غضبه‭ ‬حتى‭ ‬عماه‭ ‬بسفك‭ ‬الدماء‭ ‬والقتل؛‭ ‬فالاثنان‭ ‬غابا‭ ‬عنهما‭ ‬نور‭ ‬العقل‭ ‬ورزحا‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الضلال،‭ ‬فالمتعصب‭ ‬هو‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬ينتصر‭ ‬الى‭ ‬رأيه‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬يسعى‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬المشروعة‭ ‬وغير‭ ‬المشروعة‭ ‬الى‭ ‬هدم‭ ‬كل‭ ‬رأي‭ ‬يخالف‭ ‬رأيه،‭ ‬ويرى‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬يحتكر‭ ‬الحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬والعقيدة‭ ‬والفضيلة‭ ‬والأخلاق‭ ‬والإيمان،‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يختزل‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعصبه‭ ‬وطائفيته‭ ‬التي‭ ‬توقفت‭ ‬وتجمدت‭ ‬عند‭ ‬سنة‭ ‬واحد‭ ‬هجريًا‭ ‬يقتل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬وبأفكاره،‭ ‬ينطبق‭ ‬عليهم‭ ‬قوله‭ ‬تعالى؛‭ ‬‮«‬أفلا‭ ‬يتدبرون‭ ‬القرآن‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬أقفالها‮»‬،‭ ‬شخص‭ ‬جاهل‭ ‬يُمتعه‭ ‬زجر‭ ‬الناس‭ ‬وترويعهم‭ ‬وتعريض‭ ‬حياتهم‭ ‬أو‭ ‬أمنهم‭ ‬للخطر،‭ ‬أنظروا‭ ‬مثلًا‭ ‬بماذا‭ ‬أجاب‭ ‬قاتل‭ ‬المفكر‭ ‬شهيد‭ ‬الكلمة‭ ‬الدكتور‭ ‬فرج‭ ‬فودة‭ ‬أثناء‭ ‬محاكمته‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬سأله‭ ‬القاضي؛‭ ‬لماذا‭ ‬اغتلت‭ ‬فرج‭ ‬فودة؟‭!‬،‭ ‬فقال‭: ‬لأنه‭ ‬كافر،‭ ‬فلما‭ ‬سُئل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬كتبه‭ ‬عرفت‭ ‬أنه‭ ‬كافر؟‭!‬،‭ ‬فقال‭: ‬القاتل‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أقرأ‭ ‬كتبه‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أقرأ‭ ‬ولا‭ ‬أكتب‮»‬‭!‬،‭ ‬هو‭ ‬إذن‭ ‬سلوك‭ ‬معتاد‭ ‬لدى‭ ‬جماعات‭ ‬تنسب‭ ‬نفسها‭ ‬للدين‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬بربري‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬الدين،‭ ‬طالما‭ ‬الأمير‭ ‬أعطى‭ ‬الأوامر‭ ‬فيلبي‭ ‬نداؤه‭.‬

هو‭ ‬نفس‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬المجرم‭ ‬عتيد‭ ‬الإجرام‭ ‬عندما‭ ‬يقتحم‭ ‬بيتًا‭ ‬أو‭ ‬متجرًا‭ ‬مثلًا‭ ‬ويرهب‭ ‬صاحبه‭ ‬مصوبًا‭ ‬سلاحه‭ ‬إلى‭ ‬رأسه،‭ ‬فما‭ ‬بينهما‭ ‬تكامل‭ ‬وشبه؛‭ ‬فالأم‭ ‬الذي‭ ‬نزعت‭ ‬قلبها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ضلوعها‭ ‬وأرضعت‭ ‬طفليها‭ ‬الرضيعين‭ ‬سمًا‭ ‬خلطته‭ ‬في‭ ‬اللبن‭ ‬وظلت‭ ‬تراقبهما‭ ‬وهما‭ ‬يصرخان‭ ‬حتى‭ ‬أسلما‭ ‬الروح،‭ ‬هي‭ ‬إرهابية‭ ‬استخدمت‭ ‬العنف‭ ‬لتحقيق‭ ‬غرضها‭ ‬بكل‭ ‬خسة،‭ ‬ومثلها‭ ‬مثل‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬رضيعها‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬عشيقها،‭ ‬وكأنها‭ ‬ولدت‭ ‬بلا‭ ‬قلب،‭ ‬والأدهى‭ ‬والأبشع‭ ‬أنها‭ ‬حملت‭ ‬جثته‭ ‬على‭ ‬يديها‭ ‬وظلت‭ ‬تطوف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬تلقيها‭ ‬فيه،‭ ‬فكيف‭ ‬لأم‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬رضيعها،‭ ‬هل‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬تفسير‭ ‬لهذه‭ ‬الجرائم‭ ‬أو‭ ‬بأدق‭ ‬الفواجع؟‭!‬،‭ ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬المجرمين‭ ‬الجنائيين‭ ‬والإرهابيين،‭ ‬فـ‭ ‬الاثنان‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬هو‭ ‬وقودهما؛‭ ‬قنص‭ ‬العقول‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬سعت‭ ‬وراءه‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية،‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬مؤسس‭ ‬شجرة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الخبيثة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها‭ ‬التضليل‭ ‬بالدين‭ ‬هي‭ ‬الفلسفة‭ ‬الجنونية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليها‭ ‬الجماعة‭ ‬منذ‭ ‬مهدها‭ ‬وأول‭ ‬نشوؤها،‭ ‬ليس‭ ‬مهمًا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وظيفة‭ ‬لمن‭ ‬يلتحق‭ ‬بهذه‭ ‬الجماعة،‭ ‬بعد‭ ‬إخضاع‭ ‬المنتسب‭ ‬إليها‭ ‬لاختبارات‭ ‬نفسية‭ ‬صعبة،‭ ‬وإنما‭ ‬شحن‭ ‬العضو‭ ‬بالروح‭ ‬الدينية‭ ‬وإثارته‭ ‬بإصدار‭ ‬الفتاوى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬الى‭ ‬الإسلام‭ ‬بصلة؛‭ ‬فتحولت‭ ‬الفتوى‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬كل‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الى‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنف؛‭ ‬فهذا‭ ‬الشيء‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬إذا‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أهله‭ ‬أو‭ ‬بغير‭ ‬علم،‭ ‬لا‭ ‬يُفضي‭ ‬فقط‭ ‬الى‭ ‬الكذب‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ ‬وهذا‭ ‬حرام‭ ‬شرعًا،‭ ‬وإنما‭ ‬الى‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬والأخطار‭ ‬بمن‭ ‬يسمعها‭ ‬ويتعداهم‭ ‬أحيانًا‭ ‬الى‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول؛‭ ‬فخطر‭ ‬الفتوى‭ ‬المضللة‭ ‬يؤدي‭ ‬حتمًا‭ ‬الى‭ ‬بذر‭ ‬بذور‭ ‬الفرقة‭ ‬والشحناء‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬الواحد،‭ ‬فتكون‭ ‬ثمرتها‭ ‬الخبيثة‭ ‬إشعال‭ ‬نار‭ ‬الفتنة‭ ‬العمياء،‭ ‬وتأجيج‭ ‬نيران‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬الأمة‭ ‬الواحدة،‭ ‬فالمفتي‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الإرهابية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬التنظيمات‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬يفتي‭ ‬وكفى‭ ‬وإنما‭ ‬بفتواه‭ ‬هذه‭ ‬يضع‭ ‬عامدًا‭ ‬متعمدًا‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬الشراب‭ ‬ويترك‭ ‬ضحاياه‭ ‬يتجرعونه‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬أثره‭.‬

‭  ‬فاستقلال‭ ‬العقل‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬جسارته‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الفكر‭ ‬والإبداع‭ ‬مرفوض‭ ‬تمامًا‭ ‬عند‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مسمياتهم‭ ‬ومشاربهم،‭ ‬لأن‭ ‬الأهم‭ ‬لديهم‭ ‬هو‭ ‬إعداد‭ ‬اتباعهم‭ ‬بعد‭ ‬سلب‭ ‬عقولهم‭ ‬للقتل‭ ‬والاغتيال‭ ‬والتخريب‭.‬

والذي‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬قاتل‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬جنائية‭ ‬أو‭ ‬إرهابي‭ ‬يروع‭ ‬الأبرياء؛‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬يكون‭ ‬مثلهما،‭ ‬الاثنان‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬رديئة‭.‬