محمد قناوي يكتب: محمد عبد العزيز "صانع البهجة" يٌكرمه الإسكندرية السينمائي

محمد قناوي
محمد قناوي

يتسلم المخرج الكبير محمد عبد العزيز غدا الأربعاء وسام البحر المتوسط في حفل افتتاح مهرجان الأسكندرية السينمائي في دورته الثامنة والثلاثين تقديرا لمشواره الفني الممتد عبر رحلة مليئة بالنجاحات وصناعة كبار النجوم ، فتكريمه مستحق وعن جدارة ، فهو مخرج مبدع من طراز فريد، تنوعت اعماله ما بين السينما والتليفزيون والمسرح؛ رفض أن يسير عبر درب واحد في مشواره الفني، فطرق ألوان متعددة للفنون، فتارة يقدم دراما اجتماعية وآخرى كوميدية وثالثة واقعية.
رغم كون "محمد عبد العزيز" ابنًا شرعيًا فى الإخراج لرائد تيار الواقعية فى السينما المصرية"صلاح أبوسيف"، فإنه حين بدأ الاستقلال بذاته انحاز إلى الأعمال الكوميدية، فى انقلاب فنى دفع البعض لاعتباره بمثابة الوريث الشرعى لأسطى الكوميديا الراحل"فطين عبدالوهاب"؛فكما أخرج فطين،لإسماعيل ياسين أنجح أفلامه منها"الفانوس السحري،ابن حميدو، إسماعيل ياسين في الأسطول"، كان محمد عبد العزيز جزءا هاما في صناعة اسم عادل إمام وإبرازه كأهم نجم في فترة الثمانينات فقدم مع الزعيم أكثر الأفلام حضورا في ذاكرة الجمهورمثل:"خلي بالك من عقلك،غاوي مشاكل، البعض يذهب للمأذون مرتين، رجل فقد عقله"، فقد أخرج له 18 فيلمًا أسهمت بشكل كبير فى صناعة اسطورة عادل إمام ، كان آخرها "حنفي الأبهة" عام 1990 .
وعندما يذكر اسمه في كتب تاريخ السينما المصرية فلابد أن يُكتب بسطور من نور توقيعه علي العديد من أسماء الأفلام المهمة التى شكلت علامات سينمائية مضيئة،ومحطات فنية قوية بدأت منذ أن عمل كمساعد لمخرجين عظام، أمثال "صلاح أبوسيف، وحسين كمال"، واستمر طوال مشواره الفنى الطويل مخرجًا لأفلام لا تُنسَى مثل "بكيزة وزغلول، وخلّى بالك من عقلك،وانتبهوا أيها السادة"و"الحكم آخر الجلسة"و"منزل العائلة المسمومة"و"بريق عينيك"ومسرحيات استعراضية، وغنائية نفتقد مثلها الآن بشدة مثل "شارع محمد على، وبهلول فى اسطنبول، وعفروتو"، ومسلسلات تحمل قيمة فنية عالية، مثل"حارة الطبلاوى، وأبو ضحكة جنان" بالإضافة إلى كونه أستاذًا أكاديميّا بمعهد السينما
وُلد المخرج الكبير في حى العباسية، ولكن تفتح وعيه فى حي بولاق أبو العلا، الحى العريق الذى انتقل للسكن فيه بالقرب من مسجد السلطان أبوالعلا، ولم يكن يدرك أن هذا الحى سيحدد مصير حياته فيما بعد، فقد كان يسكنه عدد من نجوم الفن والإبداع، وكان جاره المخرج الشاب حينها "صلاح أبو سيف"، الرجل الذى تسبب فى دخوله إلى عالم  السينما المسحور،كان عمره خمس سنوات فقط عندما استجاب"صلاح أبو سيف"لإلحاحه عليه لكى يصطحبه معه إلى الاستوديو الذى يصورون فيه أفلام السينما، ودخل البلاتوه الذى يصور فيه فيلم "المنتقم" إخراج كمال سليم، وكان صلاح أبو سيف يعمل مساعدًا له، ففى هذا اليوم تحدد قدره ومصيره، وبهرته السينما وسحره عالمها، وخرج من البلاتوه، ولم يكن فى عقله سوى قرار واحد، هو أن يصبح مخرجًا مثل جاره صلاح أبو سيف، وبدأ بعدها تجهيز نفسه، بالقراءة والمتابعة، وعندما وصل للمرحلة الثانوية في "مدرسة شبرا الثانوية"بدأت تظهرعليه الاهتمامات الأدبية، فكان زبونا دائما علي سور الأزبكية ليشترى روائع المسرح العالمى، ويتردد كثيرًا على دور العرض، وكان كل عام يشاهد كل ما تنتجته السينما المصرية، وكان الإنتاج وقتها غزيرًا ويزيد على الـ 40 فيلمًا فى السنة، وكان حلم السينما يكبر داخله سنة بعد أخرى..إلى أن جاء عام 1957 حين قرأ فى الصحف عن حملة تطالب بانشاء أول معهد للسينما فى مصر،وقتها كان تلميذا فى"ثانية ثانوى"، وأرسل خطابًا إلى الرئيس عبد الناصر يطالبه بضرورة انشاء معهد للسينما، وشرح له أهميته، وظل يتابع تطورات موضوع المعهد، وكأنه قضية شخصية، وكان يستاجر دراجة من محل فى بولاق أبو العلا وينطلق بها إلى الهرم، حيث مدينة الفنون الآن، ليرى بنفسى عملية بناء المعهد فى قطعة الأرض التى خصصتها الحكومة لانشائه، وجرى افتتاحه بالفعل فى أكتوبر 1959.
جهزمحمد عبد العزيز نفسه للالتحاق بأول دفعة تدخل معهد السينما، لكن من سوء حظه أنه رسب فى امتحان الثانوية،وكان عليه الانتظار للعام التالى، فالتحق بالدفعة الثانية فى عام 1960، وتقدم لقسم الإخراج معه 164 طالبًا، استبعد منهم 100 فى التصفية الأولى، ومن بين 64 جرى اختيار 5 فقط، هو وحسين فهمى وهشام أبو النصر ونبيهة لطفى، والخامس يحيى عبد الله الذى ترك الدراسة بالمعهد بعد السنة الأولى، وأصبح فيما بعد أستاذًا بجامعة القاهرة، ليحل محله نادر جلال،وكان الأول على دفعته طوال سنوات الدراسة الأربع. 
 بعد تخرجه مباشرة عمل كمساعد مخرج فى عروض مسرح التليفزيون، وتعرف بالمخرج الشاب حسين كمال الذى كان عائدًا من بعثته الدراسية، ورشحه ليكون مساعدًا معه فى إخراج فيلمه الروائى الطويل الأول "المستحيل" ولأنه من إنتاج المؤسسة فقد كان مطلوبًا منه الحصول على موافقة صلاح أبو سيف، ولما عرض عليه الطلب اشترط للموافقة أن يتم تعيينه فى شركة "فلمنتاج" لكنه اعتذر، فقد كان رغب في تقديم أوراق تعيينه معيدا بمعهد السينما، فقد كان يخطط لاستكمال الخط الأكاديمى إلى جانب العملى، وأصر أبو سيف على شرطه،وحرمه من العمل فى"المستحيل" وبمجرد أن أعلن المعهد عن قبول دفعة من المعيدين فى قسم الإخراج تقدم بأوراقه مع حسين فهمى ونادر جلال وهشام أبو النصر، وقبلوا الأربعة، لكن نادر جلال اعتذر، فأصبحوا ثلاثة معيدين، وبعد فترة وجيزة جرى الإعلان عن بعثات لاستكمال الدراسة فى أمريكا، فسافر حسين وهشام ووجد نفسه مضطرًا للاعتذار،بعد أن انشغل بالعديد من الأعمال الجيدة كمساعد مخرج.
لم تكن بدايته كمساعد مخرج مع صلاح أبو سيف، حيث عمل فى البدايات كمدير خشبة مسرح فى مسرح التليفزيون، ثم كمساعد مخرج لـ"محمد سالم" فى أفلام التليفزيون، وفى السينما كان أول فيلم عمل كمساعد مخرج أول هو "القاهرة 30" لـصلاح أبو سيف، وكان اول أعماله كمخرج اخراج القصة الاولي"ممنوع" من فيلم "صور ممنوعة"عام 1972 وبعدها بعام قدم تجربته السينمائية الكاملة كمخرج في فيلم "أمراة من القاهرة" ليبدأ مشوار طويل ملئ بالنجاحات المتنوعة ليصل عدد أعماله 73 عملا كمخرج ما بين السينما والمسرح والتليفزيون صنع من خلالها البهجة علي وجوه الجمهور وعشرة أعمال كمخرج لكبار المخرج