علاء عبدالكريم يكتب: إنهم لا يخجلون من أنفسهم

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

..أقوالهم منذ أن ابتلي المجتمع بهم تافهة، ظنها من يؤمن بها أنها شريعة الخالق فوضعوها تاجًا فوق رؤوسهم، وساروا وراءهم معصوبي العينين عالقين وسط الطريق، إحداهن اعترفت نادمة ذات يوم قائلة؛ «..نعم أغلقت أذني وعقلي وقلبي ظنا أنني أحلق عاليًا؛ لأكتشف أنني كنت في الدرك الأسفل لهذا المزيف، واحد من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم «مولانا السلفي»، أتعثر في سراديب ومتاهات بزعم أنني فزت بجنة صاحب اللحية الطويلة المرخية على صدر عجوز متصابي والتي يخالط سوادها بياضها بفعل الصبغة، ضاعت أيامي وسنوني، أسير طريقي مغيبة العقل، ارتدي القماش الشرعي الذي يدفني داخل خيمة سوداء، ويحرمني من أبسط حقوقي الإنسانية؛ في أن يلمس نور الله وجهي، زي حولني إلى امرأة بلهاء، فريسة مهداة لماضي أصولي بغيض، اضعت عمري تابعة لذئب؛ اتذكر أول مرة قابلني فيها قال لي نصًا؛ «أنتي صرتي من أولوياتي»، لم أفهم معناها وقتها أنه أعطاني المفتاح الذي أسجن فيه جسدي بداخله، حتى اكتشفت نظرته الدونية لي، أو بأدق حقيقة البؤس الذي سرت إليه بقدمي حين قال لي بحيوانية؛ «أريد أن أراكي أميرة بلا هدوم»!، تقاطيع وجهه وهو يتكلم أزعجتني، أنفه الذي يتراقص أثناء الكلام وشهقاته أثارت اشمئزازي، صوته الذي يشبه صفير الببغاء أثار أعصابي، أحسست أنني أمام حيوان مفترس لا يقل إجرامًا عن مغتصب، يتاجر بالإسلام لكي يرضي نزواته بممارسة المحرمات، أدركت أنه جاء بي إلى هذه الغرفة المغلقة لا ليعطيني دروسًا في الدين وإنما ليغتصبني لكني تمكنت من الإفلات من بين يديه، وقبل أن أظفر بنجاتي، صرخت في وجهه قائلة بغضب؛ «أنتم أصل الشرور والفتن ولسنا نحن كما تدعون، أنتم تريدون ماضيا بلا حاضر ولا مستقبل، ماضِ تستنسخوه حسب أهوائكم في كل الأزمنة».

هذا هو واقعهم البغيض؛ دائمًا وأبدًا تكرس السلفية بشكل مباشر استبداد الرجل بالمرأة، وهذا ما قاله يومًا الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد، المفكر المستنير الذي اغتالوه حيًا وميتًا رموه بسواطير دعاوي الحسبة من خلال مجموعة من المحامين المنتمين إلى التيار الإسلامي التي كفرته، قال الرجل وأنا اتفق معه من الألف إلى الياء؛ «بأنه رغم النزعة المفرطة في التمجيد عن وضع المرأة في الإسلام والتي يقابلها تلك النزعة المفرطة في التحقير عن وضع المرأة في أوروبا؛ يكشف الخطاب السلفي عن حقيقته حين يؤكد أن طاعة الرجل هي أهم وظائف المرأة، وهي وظيفة يمكن أن تفقد من خلالها كل الحقوق التي يتوهم الخطاب أنها حصلت عليها، ومن ثم فإن التوجه السلفي يخدم استمرار النظام الأبوي الذي يقوم على استعباد المرأة، ونفي وجودها الاجتماعي كإنسان، والوقوف بوجه كل محاولة لتحريرها».

ألم يصف يومًا صاحب المنهج التكفيري ابو اسحاق الحويني المرأة قائلًا؛ «نحن نرى أن وجه المرأة كفرجها»، دونية ما بعدها دونية، فهم لا يخجلون من أنفسهم.

بقي أن نسأل هل عرف المسلمين الاوائل الأصولية؟!

الحقيقة التاريخية المؤكدة أن هذا المصطلح لم يعرفه التاريخ الإسلامي يومًا، فقط وجدناه في كتب التراث القديمة، في وصف رجل دين مثلًا بأنه كان «أصوليًا مفسرًا»، أو للتعريف بجماعة أو حركة إسلامية لا تعترف بالحداثة، ويستقون أحكامهم من كتب التراث الديني، رغم أن الحركة الأصولية تأتي جذورها من داخل الكنيسة التي تتمسك بأساسيات الإيمان المسيحي، ومعها ظهرت محاكم التفتيش في أوروبا منذ بداية القرن الثالث عشر واستمرت حتى القرن الثامن عشر تقريبًا، ويقال أن الذين قتلوا نتيجة لهذا التعصب الأعمى يتجاوز عشرات الألوف في كل انحاء العالم المسيحي، وتحكي كتب التاريخ أن من أشهر الذين ماتوا حرقا المصلح التشيكي المشهور «جان هسّ»، عندما رأت فيه الكنيسة الكاثوليكية خطرًاعليها؛ فأصدرت فتوى بتكفيره بتهمة، الزندقة، وخرجت أوروبا من عصور الظلام بفضل فلسفة العربي ابن رشد الذي أحُرقت مؤلفاته في قرطبة واتهم بالكفر، فمات في الشرق المسلم، وصار حيًا في الغرب المسيحي، وعدنا نحن لفكر ابن تيمية نطبع مجلداته التي تؤسس لفقه العنف والتطرف، وصار الملهم لشيوخ الدم والتعصب الديني الذين يصدرون فتاوى شن الحرب وقطع الرؤوس لفرض أحكام الشريعة الإسلامية.

مواجهة فكر الإرهاب لن ينتهي بمواجهة الإرهابيين فقط، وإنما لابد أن يشمل تطوير الفكر الديني بما يتلائم مع زماننا ومتطلبات العصر الذي نعيشه.