قراءة هادئة في صيف ساخن.. تقرير البنك الدولي وقرار الفيدرالي

مهند عدلي
مهند عدلي

بقلم: مهند عدلي

مع استقبال شهور الصيف الساخنة وبينما اطالع عدد من التقارير  الاقتصادية العالمية  الصادرة مؤخرا لتزداد  وطأة حرارة الصيف بمزيد من الضغوط والتوقعات الصعبة لمستقبل الاقتصاديات العالمية و في نفس الوقت اترقب ما  يصدر من قرارات الفيدرالي الامريكي والتي لا اتفائل بها (علي غير عاداتي) بفعل معطيات الواقع ومفردات سطور التقارير الملتهبة وبالفعل لم ينتصف شهر يونيه الماضي حتي صدقت توقعاتي برفع الفيدرالي الامريكي الفائدة ٧٥ نقطة اساس دفعة واحدة  ليعطي التقارير الدولية المتشائمة الكثير من المصداقية قياسا علي الاسس المنهجية لاغلب هذه التقارير .. حيث ترتكز هذه المنهجية  علي كونها دراسة لانعكاس تداعيات حدثين رئيسيين:

  •  الأول هو الاثار الممتدة من حقبة انتشار فيروس كورونا والتي طالت كافة اقتصاديات دول العالم.
  •  والثاني هو الحرب الروسية الاوكرانية واثارها المباشرة علي اطرافها وغير المباشرة علي الدول الاوربية والولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الدول ذات الارتباط وما بترتب عليها من اثار سلبية وانعكاسات متبادلة لحزم العقوبات الامريكية والاوربية علي روسيا وتعمق ازمات الطاقة وسلاسل الامداد والتوريد وتوابعها من ارتفاع اسعار الغذاء عالميا وارتفاعات اخري متوالية في مستلزمات الحياة بصفة عامة.

وبالطبع فإن اتخاذ الخبراء لهذه المنهجية قد ادي الي ان يصل التقرير لتوقعات متشائمة واهمها ان الاقتصاد العالمي ربما يدخل الي خريف طويل من التصخم ثم الركود الذي يتبعه علي غرار الركود الاقتصادي العالمي في سبعينيات القرن الماضي مع توقع لمؤشرات نمو ضعيفة لعام ٢٠٢٢ وحتي عام ٢٠٢٤ والمزيد من المعاناة لقطاعات الغذاء والطاقة ومزيد من الضغوط علي الاسواق الناشئة والنامية والشرائح الاجتماعية الفقيرة في هذه الدول.

 ورغم أن القائمين علي التقارير يعترفون بان اوجه التشابه بين الحالتين كثيرة ومنها تعثر سلاسل الامداد وتشابه مواطن الضعف في الاقتصاديات النامية الا انهم يرصدون بعض الاختلافات اهمها قوة الدولار وقوة المؤسسات المالية حاليا واختلاف قوة واداء البنوك المركزية عن فترة ركود السبعينيات.

وفي المجمل وقياسا علي منهج التقرير فان الكثير من التوقعات او ان شئت فقل التخوفات تبدو واقعة لامحالة ويجب الاستعداد لها.

لكن اذا ما اضفنا الي منهج البحث اختلافات في اساس المنهج مثل الخلفية السياسية للازمة (الحرب الروسية الاوكرانية والاثار المتبادلة للعقوبات ضد روسيا) والوفورات المالية في الدول المنتجة للطاقة بفعل ارتفاع الاسعار العالمية وارتفاع مستوي الوعي الاقتصادي العالمي والتغيرات الجارية في نظم المدفوعات الدولية والتجارة العالمية بفعل التحركات الروسية والصينية والمدعومة من دول اقليمية كبري .. هنا اعتقد ان قراءة النتائج ستختلف كثيرا.. وبما يفوق الكثير من التوقعات .. سواء علي مستوي الاقتصاديات الغربية او اقتصاديات الدول النامية والناشئة.

لذلك يجب اخذ ماورد في هذه  التقارير بعين الاعتبار لكن القراءة المتأنية تستلزم اعادة دراسة الحالة بمزيد من العمل وبمنهج مختلف يستوعب المتغيرات الجارية في الاقتصاد العالمي الذي تختلف بنيته السياسية والاجتماعية والجيوسياسية اختلافا جذريا عن خمسين عاما مضت واعتقد ولا اكاد ابالغ ان قلت ان كل منطقة وربما كل دولة تحتاج لدراسات خاصة بها من هذا النوع حتي يمكن الوصول لمناطق الضعف اقتصاديا وتقويتها ومراكز الخلل وتحييدها وعناصر القوة وتعظيمها.

 وهذه الدراسات ليست من قبيل الرفاهية الفكرية ولكنها ضرورة حتمية في ضوء النتائج المحبطة التي ترصدها التقارير الصادرة مؤخرا  وهو ما يحتاج الي العمل الجاد والتعاون السريع والفعال بين كافة الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية حتي يمكن الحد من اثارها علي المستوي المتوسط والبعيد خاصة اذا ما امكن السيطرة علي الخلفيات السياسية وغير الاقتصادية للازمات العالمية.