د. شمس الدين الحجاجى يكتب: آخر أصدقاء العمر

الدكتور أحمد مرسى رفقة ابنه
الدكتور أحمد مرسى رفقة ابنه

صاحب القلب الكبير الذى يحيط بأصدقائه ومعارفه، يقولون: أنه مات ولكنه فى الحقيقة ما زال حيًا فى قلوبنا، وتأثيره فى عالمنا لم يزل حيًا بأعماله الخالدة.
ولد أحمد مرسى فى إحدى قرى كفر الشيخ بالوجه البحرى، ومات والده وهو صغير تاركًا له إخوة صغارًا، حيث قام بمسؤلية الأب، وانتقل إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية بكلية الآداب قسم اللغة العربية، إذ حصل منها على درجة الليسانس فى سن مبكرة (قبل بلوغه سن العشرين).

ولخلقه الجم نال إعجاب كل أساتذته وزملائه، واختاره أستاذه الدكتور عبد الحميد يونس ليكون أول تلميذ يدرس معه الأدب الشعبى للحصول على درجة الماجستير، فى الأغنية الشعبية فى البرلس، وبعدها انتقل إلى الفيوم لدراسة التراث الشعبى هناك للحصول على درجة الدكتوراه، فجاب البلاد من شمالها إلى وسطها بحثًا عن التراث الشعبى.

ودراسة الفوارق فى الأداء بين أبناء الوطن الواحد، ولم تمض عشر سنوات من حصوله على الدكتوراه حتى أصبح أحمد مرسى أستاذًا للأدب الشعبى، وبذلك كان أحمد مرسى أصغر معيد وأستاذ بجامعة القاهرة، وقد حصل نوط الامتياز من مصر.


وانطلق أحمد مرسى بطلابه فى جميع أرجاء مصر لجمع التراث الشعبى، وقد أثر أحمد مرسى فى كثير من كتاب السينما والمسرح عندما قدم الأغنية الشعبية والتراث الشعبى، فظهرت تمثيليات حسن ونعيمة وأدهم الشرقاوى وشفيقة ومتولى ثم المسرحيات الخاصة بالهلالية.


لم يتوقف دور أحمد مرسى عند حدود مصر، بل تعداه إلى العالم العربى، فظهرت صحف خاصة بالأدب الشعبى، وأقيمت كراسى للأدب الشعبى فى كثير من جامعاتها، وانتشر اسم أحمد مرسى فى كثير من البلاد الأوروبية مثل إيطاليا وفنلندا وإسبانيا.

التى حصل منها على نوط الاستحقاق ووسام الفنون الجميلة وتحقق إنجازه فى مصر بإنشائه معهد الفنون الشعبية الذى تولى رئاسته لست سنوات، كما أسس وأدار الجمعية المصرية للتقاليد الشعبية، وأصبح عضوًا فى منظمة اليونسكو عند تنفيذ مشروع تعزيز القدرات الوطنية لحماية التراث الثقافى غير المادى فى مصر من أجل التنمية المستدامة.

وقد استدعته أكثر من جامعة فى أمريكا لتدريس التراث الشعبى العربى، منها جامعة هارفرد وجامعة ويسكانسن وجامعة تكساس، وكان لأحمد مرسى - العالم الفذ - دور كبير فى حياة العالم الإنسان أحمد مرسى من الأساتذة والطلاب، كما كان له دور كبير فى حياتى الشخصية، فعندما حصلت على الدكتوراه.

وكان موضوع رسالتى عن الأسطورة فى المسرح، أردت أن أسافر إلى أمريكا، وقد سهر معى ليلة كاملة يطلب منى ألا أسافر، فوجودى فى مصر سوف يحيى حلقة من حلقات المسرح الشعبى - الأراجوز وخيال الظل والأداء التمثيلى للسيرة الشعبية والبحث فى الألعاب الشعبية التمثيلية.

ولكنى سافرت، ثم زارنى فى أمريكا بعد مدة من الزمن ليطالبنى بالعودة، ولم يتوقف أحمد مرسى عند ذلك، فاتصل بى ليعلمنى أن جامعة القاهرة قد أعلنت عن حاجة قسم اللغة العربية إلى مدرس للمسرح.

وأنه قد قدم باسمى طلبًا للحصول على هذه الدرجة، ورغم اختلافنا أحيانًا إلا أننا لم نفترق أبدًا، ولاشك أن أحمد مرسى كان له كثير من المنافسين، ولكنه بعمله وجهده وإخلاصه للتراث الشعبى وللناس جميعا لم يستطع أحد النيل منه، بل كان يزداد تألقًا وقوة.

ولعل من المهم أن أذكر أحد آخر كتبه، وهو كتاب (كل يبكى على حاله)، فهذا الكتاب يظهر مدى محبته للناس فهو لم ينس أنه عاش يتيمًا، وإن كانت أمه قد ملأت فراغ فقدان أبيه، ولكن حين ماتت أمه عاد إليه إحساس اليتم، وكل يبكى على حاله، دراسة للعديد (مصطلح للبكاء على الميت - يعرفه الريف المصرى - كانت النساء المعددات يقمن جلسات للعزاء يرثين الموتى لمدة أربعين يومًا ثم اختصروها إلى سبعة أيام ثم ثلاثة.

وقيل أنهن كن يرثين موتاهن، وهكذا المثل الشعبى، كل حزينة تبكى بكاها، وهو نفس معنى عنوان الكتاب، وإنى أبكى أخى وحبيبى وآخر أصدقاء العمر، رحمك الله تعالى رحمة واسعة وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اقرأ ايضا | عزالدين نجيب يكتب :الحكمة الشعبية نبع للتصالح مع الحياة